أين المفر

خواطر من الطفولة

يونيو، نعم يونيو له الخريف والشتاء والصيف، الشهر الذي كان له الفضل الكثير في زرعه لي وردة الأمل.

لقد سبقت الأحداث، نعم سبقتها لم أحك لك اليوم الأول في يونيو، ذلك اليوم الذي قتلتُ فيه جزءا من قلبي، النصف الآخر الذي يحبه بجنون، كنت أحبه كحب “إنشتاين” للرياضيات، إنه الحب الاَبوي، ذلك اليوم؛ تزوج أبي من امرأة أخرى، نسي نظراتي التي كانت تتراءى له من خلال أشعة بعيدة، نسي كل تفاصيل طفولتي، لقد خان تلك التي قعدت تسعة أشهر لكي تنجب طفلته، لقد تخلى عني، نعم !! هل أنا مخطئة في عباراتي؟ لم أشتك من زواجه بل شكيت من نكره ورفضه لي كإبنة، رغم أنني كنت البنت الأحب في أولاده، كانوا ثلاتة (خليل-بثينة-عاصي)، وكان خيمة وطني.

كان خوفي الشديد أن يتوجهوا لي بخطاب يصيحون “يا ولد!” “يا أنت!” ، مكان تلك الجملة المشرفة للأصل “ياولد فلان ” ياجوهر فلان”.
قد تفهم يا أبي، وقد لا تفهم لماذا أصر على أن أنظر إلى عينيك المشتعلتين القويتين، وأنا أحلم من خلال أحلامكَ تلك.

أتذكر يوم 10 يونيو بتفاصيله، كالعادة ذهبت أنا وأخي الكبير عاصي، إلى ضيعة جدي “حُنَيْنْ “، كان مزارعا يحب التربة، نباتاتها وحصاها ودودها…، وكان يحن على المحراث كما تحن الطفلة على دميتها الأثيرة، على أي حال كنت أعتبر جدي مكمل نصفي الثاني، كنت أحكي له كل ما يحدث لي في المدينة.

في صباح اليوم التالي ذهبت إلى المكان المعتاد، إلى التلة البعيدة عن منزل جدي والتي كانت تطل على منظر من مناظر جنة الخلد، ذهبت لكي أنسى معاناة الحياة والخناجر التي واجهتني، وأنا جالسة على صخرة التلة وأتكلم مع نفسي، رأيت خيطا متدليا وراء جذع شجرة. وأنا أنزل يدي لكي ألتقطه، أحسست أنه شيء شبه ثقيل ينبثق من التربة، فرأيت دمية، كانت متسخة قليلا، لم تكن كجميع الدمى التى أعرف كانت فريدة. نظرت إليها فنطقت جوارح قلبي المتكسرة في تلك اللحظة الربيعية، “أنت صديقتي وأبي وأختي و.. لك الشمس حينما تلفح وضوء القمر في الليالي العارية، والنجوم في أبراجها تنطق بخفيِ الأسرار، أنت كالغريب تأنسينه رغم أنه لايهتم بمعرفة أصلك أو أسمائك، لكن أنا أعرف من تكونين.

أين المفر

رانيا سمحاوي

طالبة تقني متخصصة في التنمية المعلوماتية ،وناشطة جمعوية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *