الفضول في زمن الكورونا

عن مآلات الفضول والجهل

كيف يمكننا العيش بسلام ونحن محاطون بالجهّال من كل الجوانب؟

وقد صدق قول المتنبي حين أنشد: “لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي”، وما دعوات الناس إلى الالتزام في البيوت سوى أمنيات حركّتها الغريزة طلبا للبقاء وإنقاذا للنسل من الفناء، فهل من مجيب؟
والحرب لو كانوا يفقهون لا تنطلق من فوهات المدافع أولا، بل من أحقاد الناس الدفينة، وها هي الآن تنطلق من أفواههم على شكل لعاب، وإذا استعرت نيرانها، لن تُشرّعُ أبواب الجنة فقط بل حتى أبواب الجحيم، وقد جاء في تعاليم الزن البوذية أن “سعي الإنسان للوصول إلى مرتبة الإله لن يتحقق إلا إذا مر بحالة الحيوان، يعتزل حتى يستوحش ويخرس حتى يفقد القدرة على النطق” وهذا ما نحتاجه الآن، الاعتزال والسكوت، فحب الوطن يتضمن الصمت أيضا مثله مثل التشبث بالمبادئ والقوانين، لكن الانسان يملك من الفضول والجهل – وهذا ما يجعله يتمرد على القوانين – ما يحرق به نسله، فكل الدارسين الذين أفنوا أعمارهم في دراسة ماهية الانسان، فقدوا بوصلتهم في محيط لا تكف أمواجه عن الارتفاع والارتطام.
ما نتصف به من أخلاق ووطنية، وما نتطلع إليه الآن ونسعى إلى تحقيقه مستقبلا، هو الذي سيبقينا على قيد الحياة، فنحن في زمن أمسى العالم فيه مدعاة للسخرية، ونحن بدورنا لم يسلم شيء مرّ من أمامنا إلا وسخرنا منه، فضولا وجهلا منا بالأمور لا أكثر، فما هي الأشياء التي أضحت لنا كي نفكر فيها بجدية بعد أن أصبحنا مسخرة أمام أنفسنا؟
للفضول عند البعض سحر لا يمكن مقاومته، وشر لابد منه، تلك الصفة اللعينة التي ابتلوا بها، مثل ذباب مصمّم على الانقضاض على حواف الجراح، يحشرون أنوفهم فيما لا يعنيهم، يتفقهون، يتجادلون في الكرة والسياسة والطب والتدليك ونظريات المؤامرة، ثم لا يتوانون في التبريح بها عند أول منشور يصادفونه على حائطهم الأزرق وإزعاج غيرهم بها، نظرياتهم الجوفاء تلهث وتراوغ دون كلل أو ملل، دون إدراك منهم بأنهم ينزعون إلى بث الكراهية والعدائية بتعليقاتهم المسمومة، ولا يهم أبدا كيف وأين استنتجوها وانما كيف سولت لهم أنفسهم – عن طيب جهل – البوح بها، هؤلاء يجمعهم الفضول والجهل وتفرقهم الهراوة، وحتما سيقتلهم كورونا

الفضول في زمن الكورونا

هشام البركاوي

كاتب سيناريو ومؤلف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *