زينة الحياة الدنيا

عن نعمة البنين والبنات

إن الحديث عن الأهمية التي يحظى بها موضوع الزواج والإنجاب في مجتمعاتنا العربية والإسلامية باعتبارهما سنة مؤكدة من سنن الحياة ـانطلاقا من التفكير الضيق للأغلبيةـ أصبح أمرا مزعجا، إذ لا يخفى على أحد فينا كيف نتعامل مع الشخص الذي لم يتزوج بعد أو الذي تزوج ولم يرزق بأبناء أو حتى الذي قرر أن لا ينجب، نتعامل مع هذه الفئة من الناس وكأنهم مصدر شقفة، أو كأنهم بشر يعيشون بلا معنى.. وكأنهم ضيوف ثقال على هذه المعمورة ، لأن المجتمع العربي والمسلم يعتبر مسألة الزواج والإنجاب مسألة “أكون أو لا أكون”؛ والمضحك في الأمر أنهم يبررون ذلك بالدين وهو براء من هذا التفكير الضيق.

وحتى نكون أكثر وضوحا وموضوعية، فلا يختلف اثنان على أن قرار إنجاب ولد أو بنت ومحاولة زرع ما أفسده العالم بحقك فيهما والعمل جاهدا لينال حياة كريمة أحسن من حياتك أمر رائع للغاية، يضفي على الحياة نكهة خاصة، ويستحق تلك المجهودات التي تبذلها في سبيل أن تنعم بنسخة مصغرة منك ولكنها أفضل. لكن كل هذا لا يجعل منه مركز الكون أو المغزى الوحيد من الحياة؛ وهنالك فرق شاسع بين أن تمنح لحياتي معنى وأن تكون مغزاها.

يقول الله تعالى في كتابه العزيز : {اِ۬لْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ اُ۬لْحَيَوٰةِ اِ۬لدُّنْي۪اۖ وَالْبَٰقِيَٰتُ اُ۬لصَّٰلِحَٰتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباٗ وَخَيْرٌ اَمَلاٗۖ} (الآية 45 من سورة الكهف)، كما يقول في موضع آخر: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ اُ۬لشَّهَوَٰتِ مِنَ اَ۬لنِّسَآءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَٰطِيرِ اِ۬لْمُقَنطَرَةِ مِنَ اَ۬لذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ اِ۬لْمُسَوَّمَةِ وَالَانْعَٰمِ وَالْحَرْثِۖ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ اُ۬لْحَيَوٰةِ اِ۬لدُّنْي۪اۖ وَاللَّهُ عِندَهُۥ حُسْنُ اُ۬لْمَـَٔابِۖ} (الآية 14 من سورة آل عمران)؛ وفي موضع آخر أيضا: {اِنَّمَآ أَمْوَٰلُكُمْ وَأَوْلَٰدُكُمْ فِتْنَةٞۖ وَاللَّهُ عِندَهُۥٓ أَجْرٌ عَظِيمٞۖ} (سورة التغابن – الآية 15).

في القرآن إشادة كبيرة للحيطة التي ينبغي على الإنسان أن يتحلى بها في تعامله مع أبنائه، فلا يجعل منهم همه الشاغل والوحيد، وأن لا يفرغ كل طاقاته ومجهوداته عليهم وأن لا ينشغل بهم فقط. وأعتقد أن الدين الذي يحذر من أمر لا يجعل منه سنة مؤكدة، سيبدو الأمر غير منطقي.

الأبناء أشبه بمصباح ينير الطريق لكنه لا يضمن وصولك إلى الوجهة المطلوبة، وأشبه بحلي يجعل إطلالتنا في الحياة أجمل ولكنه ليس أمرا حاسما في درجة  تألقنا… الأبناء في نظري مثل حبات الكرز الطازج التي نضيفها لتزيين الكعكة لكنها لا يمكن أن تصنع لنا كعكا لذيذا لوحدها فقط.

صورة تعبيرية

علينا أن نبتعد بوعي وتدبر عن زرع أفكار خاطئة مفادها أن الإنجاب هو رسالة الإنسان وثمرة مسيرته في الحياة، لأن الله خلق القادر والمقتدر على ذلك، وخلق أيضا اللامقتدر من عاقر وغير ذي كفاءة لبلوغ ذلك، فأين العدل الإلهي في أن تكون مسألة الأبوة أو الأمومة مسألة وجود وأقدارنا على هذا النحو من التباين؟

فتوقفوا جزاكم الله خيرا عن أذية الآخرين باسم الدين، كفوا عن سؤالهم متى سيتزوجون ومتى سينجبون ومتى سوف يموتون… فلسنا جميعا على قدر عال من القوة والرزانة حتى نتحمل ونواجه هذا الجهل ونتجاهل ثرثرة مجتمع إشكاليته الوحيدة هي تأخر الزواج أو الإنجاب من عدمهما.

يسعدنا أن نرى شبابا مقبلا على الزواج وواثقا من قراره ذاك، كما يسعدنا أن نرى فرحة الزوجين بمولودهما الأول، لكن يحز فينا أن نرى على النقيض تعاسة آخرين تسرق منهم بهجتهم من كثرة ضغط المجتمع وتدخله الدائم في شؤون بعضهم البعض.

إن قدر وردك الله فردا وهو خير الوارثين، فتذكر أنما الأبناء زينة الحياة فقط وأن ذلك لا ينقص من إنسانيتك شبرا ولا يمس من نفسك الخيرة قدرا، ولا يعرقل بتاتا قضية فوزك بحياة هانئة في دنيا حالمة وآخرة باسمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *