طاجيكستان .. على خطى بيونغيانغ.

من منا سمع من قبل باسم الطاجيك أو طاجيكستان؟! غالبا ستكون
الإجابات على قد المعلومات المتداولة بين أبناء جيلنا …فأغلب الدول التي يعلم
العامة عنها أو سمعوا بها غالبا ما تكون عن طريق الرياضة أو عن طريق الحروب، فقد
أضحت هاتان الوسيلتان هما الأكثر نجاعة للتعريف ببلد ما في زمن قل فيه من يبحث من
أجل المعرفة و أصبحت المعلومات كالأكلات السريعة 
لا تغني ولا تسمن من جهل تجَدر
في كيانات أغلب الشباب الذين أضحت كل معارفهم متمحورة حول كرة القدم و المشاهير
والفضائح وما إلى ذلك من مختلف الأمور التي أصبحت تطغى على واقعنا المعاش، مما
يجعل الفرد يعيش ضمن دوامة التفاعالات المتتالية لهذه الحمى دون أن يلقي بالا لما
يدور حوله من تغييرات.. ولعل نموذجنا الذي سنتحدث حوله اليوم يعطينا واقعا طالما
كان مخفيا عن أعيننا ويجعلنا نعيد النظر في مدى قصور معارفنا ومدى جهلنا بما يدور
في عالمنا، اللهم من تفاهات الأمور التي تجعل منا نغفل أو نتغافل عن ما نعيشه
مقارنة بشعوب أخرى ترزح تحت وطأة القمع الغير النافذ، ما يعطينا مسحة من أمل تكاد
تكون موضعية لعلنا نتوسم خيرا في وطننا هذا

.. 

بعيدا عن أضواء
أوروبا التي حجبت عنا كل ما يحيط بنا من مآرب الشعوب الاخرى، طاجيكستان، هذه
الدولة الصغيرة التي تقبع في وسط آسيا والتي تعتبر من الدول السوفياتية السابقة
وما خلفه ذلك الحلف من تدمير للهوية الدينية والقومية لكل الربوع التي حكمها بقوة
الحديد والنار ونشر الالحاد التعسفي …حيث خلّف انهيار الاتحاد السوفييتي دولة
طاجيكستان المستقلة التي كانت مثقلة بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية الحادة التي
استمرت حتى يومنا هذا

دولة طاجيكستان
والتي يكاد كل من يطل عليها عن قرب يصاب بالدهشة لجمال طبيعتها وانفرادها كإحدى
الدول الجبلية في العالم، حيت تبلغ نسبة الجبال فيها 90 بالمائة من إجمالي مساحتها
التي تبلغ 143 ألف كلم مربع، مع سكان يبلغ عددهم 8 ملايين نسمة يدين 98 بالمائة
منهم بالإسلام، وتعتبر القومية الطاجيكية هي الأكثر انتشارا، تليها القومية
الأوزبكية والروسية والقرغيزية وما إلى ذلك من أقليات عرقية

وتعتبر روسيا
الدولة الأكثر استقبالا للمهاجرين الطاجيك نظرا للعلاقات التاريخة و السياسية بين
البلدين، حيث يعتبر نصف الرجال في دولة طاجيكستان مهاجرين بحثا عن العمل والسيولة
الاقتصادية التي يفتقدونها بوطنهم الأم الذي يعاني من مشكلات اقتصادية و طاقية
جسيمة نتيجة للحرب الاهلية التي حصدت أرواح مئات الآلاف من السكان، والفساد
المتفشي في ربوع الدولة على مختلف الأصعدة

إلا أن كل هذه
المشاكل لا ترقى ولا تقارن بحجم المشكل السياسي الذي عاشته هذه البلاد منذ سنة
1992 إلى يومنا هذا، والذي تحول إلى حرب أهلية ليستمر حتى بعد توقيع معاهدة السلام
ويأخذ طابع القمع والإقصاء اللذين لا يوجد لهما مثيل على مستوى العالم إلا في
كوريا الشمالية، بحيث يتمثل هذا القمع في شخص الرئيس الطاجيكي … إمام علي رحمن
.. والذي تربع على رأس السلطة في خضم الحرب الأهلية إلى يومنا هذا مُنَصبا نفسه
رئيسا وحيدا، قبل أن يصل به الأمر إلى تنصيب نفسه مؤخرا بمنصب لم يسبقه إليه إلا
قلة قليلة من الديكتاتوريين حول العالم، ألاَ وهو قائدة الأمة.. الأمر الذي بموجبه
تم منحه وأقاربَه حصانة تامة من أي شكل من أشكال المتابعة القضائية مدى الحياة

يعتبر إمام علي
رحمن علمانيا متعصبا مواليا لموسكو .. وقد عمل طوال سنين حكمه على تقييد اي نوع من
أنواع المعارضة، إضافة الى سعيه الحثيث لكبح عودة الطاجيك إلى أصولهم الإسلامية،
متخذا من الإرهاب ذريعة لسحق كل خصومه السياسيين والمواطنين على حد سواء والقضاء
على أي نسمة حرية يمكن أن تبعث في هذا الشعب الأمل بغد أفضل، شأنه شكل كل
الديكتاتوريين حول العالم، من خلال نهج سياسة الإستبداد و تقويض الأيديولوجيات
التي من شأنها أن تشكل شكلا من أشكال المقاومة الذاتية للأفراد حتى وإن لم تصل
لمستوى العمل السياسي أو المعارض

بعبارة أخرى،
تمتلك السلطة في طاجيكستان ما يرقى ليكون أشد قوانين العالم تقييدًا للحرية
الدينية في عالم اليوم، ولكن الجزء الأكبر من العالم لم يلقِ بالًا لهذه الحقيقة،
حيث أن الأمر بدأ بمنع الحجاب في المؤسسات التعليمية ليغدو أكثر غلوا في سنينه
الأخيرة من خلال سن مجموعة من التشريعات التي تمثلت بإغلاق عشرات المساجد في جميع
أنحاء البلاد بشكل تعسفي، تغريم النساء لارتدائهن الحجاب، بل وحتى منع الآباء من
تسمية أبنائهم بأسماء عربية؛ ووفقًا للتقديرات الأخيرة، قامت الشرطة بحلق ذقون
حوالي 13,000 رجلًا بالقوة، وصولا إلى حظر أحزاب سياسية معارضة تحت ذريعة
ممارساتها المشبوهة

تعتبر طاجيكستان
إذن من أكثر الأمثلة على القمع و السياسات القمعية الممنهجة التي في غالبها تنتج
مجتمعات جاهلة وفقيرة تكون مرتعا للتطرف والغلو الديني والأيديولوجي بمختلف
أشكاله، الأمر الذي ينتج نفس البنيات الاجتماعية و يفاقم المشاكل على كاهل المجتمع
المرهق من هول ما لحق به من تدمير و هوان على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي

ونختم بقولة من
أقوال عبد الرحمان الكواكبي الذي درس مفهوم الاستبداد من مختلف جوانبه ليلخص لنا
المآسي التي لحقت بطاجكستان، وعدد كبير من الدول، من خلال قوله “الإنسان في
ظل الاستبداد لا يحب قومه لأنهم عون الاستبداد عليه، ولا يحب وطنه لأنه يشقى فيه
.”
 

سهيل المعطاوي

من أعضاء زوايا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *