في ذكرى هيروشيما وناغازاكي

خلّد العالم، خلال الأسبوع الماضي، ذكرى واحدةٍ من أقسى فواجع الحقبة المعاصرة؛ يتعلق الأمر بإلقاء الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس هاري ترومان لقنبلتيْ “الولد الصغير” و”الرجل البَدين” توالياً على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، مبررين ذلك بالرغبة في تقليص عدد ضحايا الحرب العالمية بعدما ظلت اليابان الدولة الوحيدة الصامدة في وجه قوى الحلفاء.
فكيف وصلت الوضعية بالعالم لجعل الولايات المتحدة الأمريكية مضطرّة لإلقاء القنبلتين المدمرتين على هيروشيما وناغازاكي؟ وهل كان مقررا منذ البداية إلقاؤهما على هاتين  المدينتين؟
يعتبر فرانكلين ديلانو روزفلت واحداً من الرؤساء الذين أثاروا الجدل في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، كيف لا وهو الرئيس الوحيد الذي حكم باسم الحزب الديمقراطي لأربع ولايات متتالية ما بين سنتي 1932 و 1942؛ رغم عدم استكماله للفترة الرابعة بسبب الوفاة، كما أنه الرئيس الذي دخلت في عهده الولايات المتحدة بشكل رسمي الحرب العالمية الثانية، إثر قصف اليابانيين لميناء بيرل هاربر (Pearl Harber).
بعد استمراره في منصبه لولايتين متتاليتين ما بين 1932 و 1940، ترشح مجدداً سنة 1940 للانتخابات الرئاسية للمرة الثالثة، فكانت هذه سابقة في تاريخ الولايات المتحدة، وفاز بسبب الأوضاع الحربية، وفي الوقت نفسه ضيَّق الخناق على اليابان التي استفحل اقتصادها في شرق آسيا،  وبدون إطالة في سرد أحداث الحرب العالمية الثانية ومشاركة الولايات المتحدة فيها، يكفي أن نعرف بأنه خلال الحرب حدد روزفلت بالتعاون مع رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل استراتيجية الدول الغربية، حيث تم التوافق على أنه ينبغي القضاء على الرايخ الألماني كونه الخصم الأقوى من اليابان. وقد توافق هذا الرأي مع توقعات الديكتاتور السوفياتي جوزيف ستالين الذي بدوره ينادي بضرورة فتح جبهة ثانية. (1)
حصلَ الزعيمان البريطاني “تشرشل” والأمريكي “روزفلت” على وعد من ستالين بدخول روسيا حالا في الحرب ضد اليابان، لكن ما كان يصبو إليه روزفلت هو موافقة ستالين على تأسيس منظمة الأمم المتحدة في نيسان 1944 في سان فرانسيسكو، إذ أنه كان يحاول تجديد تأسيس منظمة عالمية. كان روزفلت في يالطا يعاني من إرهاق جسدي ومن تصلب الشرايين وربما السرطان، لتكون نهاية حياته في 12 أبريل 1945.
بعد وفاة روزفلت، ذهب منصب الرئاسة بشكل مباشر حسب ما ينص عليه الدستور إلى نائبه هاري ترومان، النائب وجد أمامه مهمة صعبة وهو غيرُ خبير بالشؤون الخارجية خصوصًا وأنه لم يَمضِ على توليه المنصب سوى ثلاثة أشهر؛ ثلاث لقاءات هي عدد المرات التي التقى فيها ترومان مع روزفلت بشكل مباشر أثناء هاته الفترة، لكنه رغم ذلك لم يكن هادئ الطبع في مؤتمر سان فرانسيسكو (المؤتمر التأسيسي للأمم المتحدة والذي شهد مشاركة ست وأربعين دولة أضيفت إليها أربع دول في فترة لاحقة)، حيث وبّخ بكلمات حادة وزير الخارجية الروسي فياتشيسلاف م. مولوتوف بسبب عدم تقيد الاتحاد السوفياتي بالاتفاقيات المبرمة في مؤتمر يالطا، وأثناء تواجده في مؤتمر بوتسدام في برلين، تلقى ترومان سرا وهو خبر نجاح تفجير قنبلة ذرية تجريبية في الولايات المتحدة؛ (2)

طائرة الإينولا جاي و طاقمها، التي أسقطت القنبلة “الولد الصغير” على مدينة هيروشيما 

أعطى ترومان فيما بعد الأمر بإلقاء القنبلة الذرية على اليابان بعدما أقنعه من حوله أن القنبلتين الذريتين سيدفعان اليابان للاستسلام ويُقلّصان من قتلى الحرب، كما كان قد أقلقه  تدخل السوفيات في شؤون حكومات شرق أوروبا وخاف أن يشمل هذا الزحف اليابان أيضا؛ من الذرائع التي اتخذت حول هذا الأمر تجاهل اليابانيين لقرار مؤتمر بوتسدام الذي منح مهلة محددة لليابانيين كي يقدموا استسلامهم؛ على أيٍّ، وبموجب الأمر التنفيذي الممنوح لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية كقائد أعلى للجيش الأمريكي، قام ترومان بإعطاء الإذن بإلقاء القنبلتين الذريتين، القنبلة الأولى التي سميت بـ”السلاح النووي الولد الصغير” ألقيت في السادس من غشت سنة 1945 على مدينة هيروشيما نظرا لتوفر الأخيرة على مجموعة من القواعد العسكرية اليابانية حيث انطلقت المجموعة 509 بسرب من الطائرات 393dB29 من القاعدة الجوية الشمالية بجزيرة تينيان غرب المحيط الأطلسي بقيادة الكولونيل بول تيبتس، وألقوا القنبلة النووية التي خلفت أكثر من 100 قتيل؛ منهم من مات فور إسقاط القنبلة ومنهم من مات متأثرا بالجروح والشظايا وأيضا الإشعاعات التي أصابت العديد بالسرطان.
الطائرة BOCKSCAR و طاقمها، التي أسقطت القنبلة “الرجل البدين” على ناغازاكي 
أما القنبلة الثانية المسماة بـ”قنبلة الرجل البدين” فأُلقيَتْ في التاسع من الشهر نفسه، وكان وراءها القاذفة الأمريكية B-29BOCKSCAR بقيادة الميجور تشارلز دبليو سويني. وقد كان الهدف في مرحلة أولية مدينة كوكورا، ولكن، ولظروفٍ طارئة أثناء العملية، تم تحويل الوجهة نحو المدينة الأقرب والهدف الثانوي؛ ألا وهي مدينة ناغازاكي، حيث خلفت هذه القنبلة أكثر من 60 ألف قتيل؛ أسبابُ موتهم لم تختلف عن ضحايا هيروشيما، وبعد مشاورات عدة داخل الأوساط اليابانية، قبِل الإمبراطور الياباني هيروهيتو بالاستسلام، مع وجود تباين غير مؤكد، حول إنْ كان الاستسلام بسبب الخوف من أسلحة الدمار الشامل الأمريكية، أو من الغزو السوفياتي القادم، و يرجّح السبب الأول كون أن الجيش الأمريكي قام في وقت لاحق بوضع عدد كبير من جنوده في كلّ من هيروشيما وناغازاكي.

1. زاوتر أودو، رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية منذ 1789 حتى اليوم، دار الحكمة ،الطبعة الأولى، لندن، 2006، ص224  

2. المرجع نفسه، ص 225

مدونة زوايا

زوايا فريق شاب مؤلف من 10 شباب عرب مختلفي التخصصات والاهتمامات و غزيري الأفكار يجمعهم حب التدوين والرغبة في إثراء الويب العربي بمحتوى مفيد فريق زوايا ذو أفكار خلاقة وعزيمة متأهبة يعدكم بمحتوى مدوناتيٍّ أقل ما يقال عنه أنه استثنائي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *