آيا صوفيا “كلمتين سواء”

عن قرار تحويل آيا صوفيا من متحف إلى مسجد

العاشر من يوليو لحظة تاريخية في التاريخ المعاصر لتركيا، تحويل ايا صوفيا إلى مسجد في هذا التاريخ بالضبط استنادا إلى قرار القضاء التركي ،الذي ألغى قرار مجلس الوزراء الصادر عام 1934 والقاضي بجعل أيا صوفيا متحفا. اسمحولي في البداية أن أشير إلى أن مقالي هذا -وإن كنت لست ضد القرار- ليس دفاعا عن تركيا ولا عن داعميها في هذا القرار. حجم أهمية القرار البالغة في تركيا، وفي المنطقة عامة ،في توقيعه على بعد أيام من تخليد ذكرى الخامس عشر يوليو تاريخ الإنقلاب الفاشل، وأيضا يمكن استنتاجه في تغريد حساب الرئيس التركي على تويتر، تغريدتين مع مرفق لقرار تحويل أيا صوفيا إلى مسجد ، مهنئا يقول أردوغان “نبارك لكم جميعا جامع ايا صوفيا “.

ثمة إجماع في الظاهر على أن القرار سيادي وهذا ما يجب أن يكون حتى في الخفاء، لكن، إن نحن محصنا ردود الأفعال إزاء القرار، نجدها مخالفة تماما، إذ في أول تعليق لها على القرار، لمحت اليونسكو إلى إمكانية سحب ايا صوفيا من قائمة التراث العالمي للإنسانية، حيث جاء في بلاغ للمنظمة في نفس تاريخ إصدار القرار “قد يشكل اتخاذ مثل هذه التدابير اتتهاكا للقواعد التي وضعتها اتفاقية التراث العالمي لعام 1972”.

إن التهديد الصريح الكامن في لهجة اليونسكو إن دل على شيء فإنما يدل على تخبط هذه المنظمة وعدم حياديتها، إذ كيف بمنظمة تتفرع عن منظمة عالمية من بين أسمى غاياتها ، نبذ التدخل في شؤون الدول الداخلية أن تصدر بيانا كهذا؟ وأيضا يحق لنا التساؤل-دونما اعتبار لهويتتا الإسلامية –هل تحويل آيا صوفيا إلى مسجد هو ممحاة ستمحي معالم التراث العالمي وبداعة الحضارة بها؟

ما يريده أعداء تركيا أو بلغة لطيفة خصومها ومنافسوها، هو تحييدها عن أي انتصار جديد قد يقوي صفوفها الداخلية، كباب لتقوية الإشعاع الخارجي، لقد كلفت بعناية صفحات ومسؤولون كبار بعملية انتقاد ممنهجة للقرار واعتباره نبذا وعنصرية تجاه المسيحيين، المشكلة أنه ليس من باب التسامح، بل من باب مايريدونه وقد ذكرته سلفا، حيث من الضروري هنا أن نبين إلى أن صمود قطر حليفة تركيا الأبرز في المنطقة، أمام القطيعة التي أعلنها بعض جيرانها قبل ثلاث سنوات، ودعمها لمواجهة الثورة المضادة تحديدا على اتفاق الصخيرات بليبيا من قبل المشير حفتر، الذي صار منهزما أكثر من أي وقت مضى، جعل حاجة خصومها ملحة للتغطية على قراراتها الموسومة بالتوافق الداخلي.

ايضا، لا بد من الإشارة إلى انتهاك أخر مغيب عن المتلقي، وهو خطاب البابا عن ايا صوفيا وبيانه التأسف عليها، يحق له ذلك لكن لا يجب إلى أن يصل حد اعتبار القرار انتقاصا او تهميشا للمقدسات والدين المسيحيين. لأن ذلك لن يزيد سوى تعميق الخلافات الدينية التي لسنا ببعيدين عنها أصلا.

ما ينبغي علينا قوله هو أن لاخلاص من معمعة النقاش هذه، إلا عبر كلمتين سواء الأولى؛ ابا صوفيا لتركيا ويحق لها أن تفعل بها ما تريد، والثانية قول الأب الفلسطيني مانويل مسلم “أيها المسيحيون لا تمنعوهم أن يصلوا في كنائسنا، فهم شعبنا ونحن شعبهم، وهم دمنا ولحمنا ونحن دمهم ولحمهم، وعلى المسيحي أن يحمي المسلم، وعلى المسلم أن يحمي المسيحي ”. وعليه -وليس من باب التعصب للرأي- فإن أي حديث عن القرار محاولة لبث التفرقة ليس إلا.

آيا صوفيا “كلمتين سواء”

محمد حميدي

طالب و مدون