أليس في بلاد العجائب والقارئ في متاهة النص

سفر في عوالم النصوص الأدبية

الشروع في قراءة النص الأدبي شبيه بدخولنا إلى إحدى المتاهات، أو مثل هبوط أليس إلى جحر الأرنب بعدما اشتعلت فضولا عند رؤيتها أرنبا يرتدي صديريا ويمتلك ساعة، فقررت أن تقوم  بجولة لاستطلاع واستكشاف ما تخفيه تلك المتاهة أو ذلك الجحر. وهذا الأمر ينطبق علينا عندما نبدأ بقراءة النصوص.

أقرأ يعني أتيه في عوالم النص فأنا لا أعرف كيف أصل إلى نقطة النهاية (أي المعنى) إذا لم أجد الطريق الصحيح. فالنص يقدم لنا مسارات متشعبة وخيارات متعددة مما يُحدث لنا نوعا من التضليل والالتباس في إيجاد الطريق الصحيح. فكيف سيخرج القارئ من هاته المتاهة؟

لنعد إلى قصة أليس، فبعد الهبوط الطويل إلى الجحر وصلت إلى بهو طويل منخفض السقف، فلاحظت وجود أبواب كثيرة لكنها مغلقة، فحاولت أن تفتح كل باب يصادفها لكنها فشلت وحزنت؛ فجأة رأت منضدة صغيرة لم يكن عليها إلا مفتاح ذهبي صغير ففكرت أنه قد يكون مفتاح أحد أبواب البهو، لكن أقفال تلك الأبواب كبيرة جدا أما المفتاح كان صغيرا جدا. وفي الجولة الثانية في البهو- كما نلاحظ أن أليس تقوم بجولات، الأمر نفسه عند القارئ بدوره يقوم بجولات داخل النص فهو يبحث عن شيء ما- صادفت في البهو ستارا منخفضا وكان خلفه باب صغير، فحاولت فتح القفل بالمفتاح الذهبي الصغير وكان مناسبا له.
بعد فتح الباب وجدت ممرا صغيرا لا يزيد حجمه عن جحر الفأر ثم نظرت عبر الممر فرأت أجمل حديقة، فأرادت الخروج من ذلك البهو لكنها لم تتمكن حتى من إدخال رأسها، فعادت إلى المنضدة وهي تأمل أن تجد مفتاحا آخر، غير أنها وجدت زجاجة وكان حول عنقها لافتة ورقية مكتوب عليها “اشربيني”، غامرت أليس بشرب ما في تلك الزجاجة (قراءة النص الأدبي مغامرة) فوجدتها لذيذة (لذة النص) وبدأت تقصر قامتها فصارت الآن بالحجم المناسب للدخول من الباب إلى تلك الحديقة الجميلة.

أليس قامت بجولات داخل البهو وصادفت أشياء كثيرة (المفتاح، المنضدة، الزجاجة، صندوق زجاجي، كعكة) وذلك من أجل إرشادها وتوجيهها إلى المكان الذي تريد الذهاب إليه. فماذا عن قارئ النص الأدبي؟ هل على النص أن يخلف وراءه فتات الخبز كما في قصتي هانسل وغريتل وبيت الحلوى حتى يستطيع القارئ الوصول إلى المعنى أو إلى التساؤل الذي يصوغه الكاتب في النص؟
القارئ مثل أليس يقوم بجولات داخل فضاء النص (متاهة النص)، وينتقل بين الدال والمدلول بغية الاستطلاع واستكشاف الأسرار، فالنص غامض مغلق مثل تلك الأبواب. إذن إلى ماذا يحتاج القارئ؟ ما هو المفتاح الذهبي الخاص بالقارئ الذي سيفتح له أبواب النص؟ إنه التأويل، فقراءة النص الأدبي عملية تأويلية تسعى إلى سبر أغوار النص.

هجر بوليف

طالبة ماستر المناهج اللغوية والأدبية لتدريس اللغة العربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *