إلى امرأة لا تعوضها نساء العالم

لذكراك أمي

مرت سنتان، جف عودك في القبر بيد أن ذكراك لا تزال غضة طرية، لا زال طيفك يملأ المكان ويحوم به؛ عبق عطرك، رنين خطواتك في الصباح وأنت تمشين الهوينى نحو غرفتي، رجفة يدك الناعمة وهي تطمئن على حرارة جبيني، ضحكاتك العفوية الجذابة على تصرفاتي الطفولية… نعم لازلت أحيا على هذه التفاصيل وأعيشها كل يوم بحذافيرها، وكل يوم أراك فيها بحلة أجمل وأجمل، ملاكي الأبيض وحوريتي الفاتنة.

لم أتعود غيابك بتاتا ولا أود ذلك، ربما هذا يجعلني أكثر اطمئنانا وراحة، والعلم أنه لا راحة في غيابك فكل ما بعد رحيلك مشقة وموت بطيء. كل يوم لا أسمع فيه صوتك لا أعده من عمري وكل فطور تغيب عنه لمستك ولا تغلفه رائحة خبزك الطازج ليس إلا وجبة لسد الجوع وإخراس صراخ البطن وأنين المعدة..

كان لا بد أن تعيشي أكثر لكنك رحلت قبل أن أرتدي فستاني الأبيض وأقبل رأسك في يوم زفافي على الشاب الذي رضيت به شريكا لابنتك وباركته كلماتك وحفظته دعواتك؛ رحلت قبل أن أرتمي بحضنك للمرة الأخيرة ثم أشد على يدك وأشكرك على كل شيء وإن كان الشكر لا يعوض قيد أنملة كل تضحياتك لأجلي؛ رحلت قبل أن أتصل بك وأسألك للمرة العاشرة عن وصفة النقانق ومقاديرالحلوى التي أحب…

رحلت عنا قبل أن أفرحك بقدوم حفيدك أو حفيدتك اللذين كنت تتوقين لرؤيتهما وتعدين بتربيتهما أحسن تربية وتوفير كل ما تزعمين أنك حرمتني منه لأجلهما رغم أنني لا أتفق بتاتا على أنك حرمتني من أي شيء.. يقول المثل “أعز من الولد ولد الولد” وأنا متيقنة أنك كنت ستسكنينهما مقلة عينيك وتحميهما برموشك، بل أنك رحلت قبل حتى أن توبخيني علي الاسم الذي اخترته للحفيد المنتظر..

أستيقظ كل يوم كأنني أقابل فراقك لأول مرة، كأنني أسمع توا الخبر الأليم الذي قلب حياتي رأسا على عقب، وأقبض علي نفسي بتنهيدة صامتة وأقول: توفيت أمي، رحلت حبيبة قلبي ومهجة فؤادي…

إلى امرأة لا تعوضها نساء العالم

رحمة الحمدوشي

طالبة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية شعبة الاقتصاد