إيتيكيت الموت

لم يعد الكائن البشري يعيش بدافع البقاء على طريقة الهومو-سابيانس، والموت لم يعد بسبب الجوع و العطش بل بالافراط فيهما!، ومن قال أن الموت يشكل حدثا دراماتيكيا، فإنه لم يكتشف شيئا جديدا، وبقي أسير التقليدانية التي تحوم حول مثل هذه المواضيع المعقدة ذات التصورات التفكيكية. و فلسفة الموت تغاضى عنها العلم لعدم إمكانية تجربته، وبذلك أصبح الموت قاهر اللذات بلغة التيولوجيا، كما يعد نقطة سوداء في مشوار التفكير البشري بلغة الابستيمولوجيا، وكلا الطرفين يغوصان في محتوى الموضوع بدون خلفيات مسبقة الدعم. فالموت كما أعرفه بطريقة سطحية هو منقذ الإنسان من المعاناة الابدية، وستكون الحياة ذا انتقام حين ستتلذذ بكشف عيوب هذا الكائن الذي قام بالسيطرة عليها ذات يوم بقبضة من حديد! 
إذا والحالة، أن لا أحد يريد هكذا حياة رخيصة حيث لا يريد موت كئيب، موت بدون معاني محققة، بدون عمل شيء سيكتب له البقاء بعد الموت كما يقول ماكس فييبر، لا معنى للموت بدون تحقيق أي معنى، وإن رآه البعض في مجموعة من الأهداف التقليدية ذات الوصل بالنسل، إلا أن الرؤى الاخرى تتحدث عن معاني تخترق النظرة الاختزالية للحياة.
لا أستطيع ان أجد جوابا لسؤال يحرجنا لأن له علاقة بالموت ومابعده، لا أستطيع أن أتخيل كيف ستحيا حياة شخص مقابل حياة اخرى ستندثر من أجلها، لا أستطيع تذوق الدافع !
وإن سئلت ذات مرة عن الموت، سأجيب هو الذي سيجعلك إما خالدا ممجدا أو أنانيا منسيا، هو الذي سيكشف لنا عن ذكريات حياتك، هو الذي سينتقل بك من المادي إلى اللامادي، من ضيق الاحترافية الى سعة الائتمانية كما يقول فيلسوف الاخلاق المغربي طه عبد الرحمان، فالموت فلسفة غير سلبية كما يراها البعض منا، بل يعتبر طريقا مختصرا للمجد و التاريخ حسب النوعية المقارباتية للحياة المعاشة ما قبلها …، فالموت كفكرة معقدة التحليل حسب جوانب الرؤى، و بالتالي لا أحد يريد حياة رخيصة ولو أقنعته بأن موته سيكون ذا قيمة، لأن نظر الانسان لا يتمتع بالرحبوية و السعة من الأصل، اذ يجب أن يتعب من أجل أن يكون كذلك. والحياة الكئيبة تعلم شخصها بمفاتيح من علم آخر، يستطيع أن يفتح بها اقفال ابواب صدأت بقلة المارة، و عدم اكتشافها من قبل العامة !
الموت أعظم رحمة بالفرد و أفكاره، فالموت لا يميت أو ينسي، بل يحيي..، كما أحيا بعض الحيوانات الى يومنا هذا، تذكر أسماؤهم وتضحياتهم وإسهاماتهم ومواقفهم في كل صوب وحدب ، بل الحياة تميتك وانت حي حتى تحقق معناك السرمدي ، وبذلك فنحن امام مغالطة منطقية في غاية التعقيد ، حيث يكون الميت حي ، والحي ميت ،وبالتالي فالرسالة هي أن لا يستطيع الموت كفكرة ارجاعك للارذل ، بسبب تضحية لا تعني ، أو عمل لا يساوي ، إذ به يكون عمرك قد ذهب في تفنة من المتمنيات و اللذات والأهداف الخاطئة و المعاني المعيبة !
 

كمال المنوري

طالب باحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *