اطمئن! لن يحاسبك الله من أجل آيا صوفيا

وجهة نظر في من يعتز بتحويل آيا صوفيا من متحف إلى مسجد

في موضوع تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد، كان من أغرب التعليقات التي قرأت، حوار بين مغربيين أحدهما معارض له والآخر مؤيد، وقد نبه الأول صديقه إلى تاريخ المغاربة مع الإمبراطورية العثمانية وإلى الموقف الطبيعي الذي على المغربي تبنيه تجاه الصعود التركي الجديد، وانتهى الحوار بأن قال الأخير كلاما مضمونه: أن الرئيس التركي سيعيد للإسلام أمجاده عبر إحيائه الخلافة العثمانية وأن المسلم سيحاسب على إسلامه لا على “مغربيته”!

أعرف هذا المنطق في التفكير، وهو ليس شاذا، بل يحمله مسلمون كثيرون من الذين يهجسون بقيام الدولة الإسلامية، في سرائرهم. لذلك سيكون الرد عليه مصاغا في نقاط، حتى يسهل على القارئ الذي يتفق مع رأي صاحبنا المذكور، مراجعة أفكاره فكرة فكرة واختبار منطقيتها.

أولا، لن يعيد أردوغان الخلافة العثمانية؛ ليس هذا مرتبطا بمدى رغبة أردوغان في تحقيق الحلم “الإسلامي التركي”، ببساطة لأن الشروط التاريخية المادية لقيام خلافة ولت دون رجعة، والذي يتخيل ذلك فكأنما يتخيل عودة الملكية البابوية إلى فرنسا، أو الدوقية الإقطاعية إلى بريطانيا، وهذا ضرب من الخيال، أو عجز عن فهم السيرورة التاريخية.

ثانيا، قرار أردوغان سياسي محض، ولا يحمل أي هم لإعزاز الدين وتشريف المسلمين، وهو قرار اختار أوردغان جوه وتوقيته بعناية، ولو أن القرار لا يصب في صالح تحقيق الأهداف التي رسمها أردوغان لدولته لما اختاره ، وإلا فإذا كان تحويل المعلمة التاريخية الإنسانية إلى مسجد واجبا دينيا، فقد كان اللازم أن يحدث ذلك منذ اللحظة الأولى لوصول الحزب إلى الحكم، إسوة بمحمد الفاتح، الذي لم يتأخر في رفع الآذان وأداء الصلاة بالكنسية حال دخوله القسطنطينية.

ثالثا، اعتبار القرار شأنا داخليا، يقتضي عدم إعارته اهتماما من جانب غير الأتراك، وعدم التفاعل معه عاطفيا، سواء بالحزن أو الفرح، أما إن كان سيدغدغ مشاعر آلاف المسلمين عبر العالم، فهو حتما ليس قرارا موجها للداخل، وصاحبه لم يكن يرجو له أن يظل شأنا داخليا.

رابعا، لقد أفزعتني جملة “ستحاسب على إسلامك لا على مغربيتك!” هذه الجملة برهنت على أننا لم نحقق شيئا في ترسيخ مفهوم المواطنة والولاء للوطن أولا وأخيرا، هذه الجملة على بلاهتها وبداهة سخافتها، فإنني سأخصص لها فقرة للرد، ألا يمكن لصاحبنا أن يتخيل نفسه مسلما صحيح الإسلام دون وجود خلافة؟ وخلافة عثمانية تحديدا؟ هل يحاسبه الله على ولائه لرئيس دولة يواري أفشاله الاقتصادية المتوالية عن شعبه بتوجيه اهتمامه إلى الخارج ومغازلة حلم السيادة التركية، واللعب على الوترين: الوتر القومي التركي المشتاق لأحلام السيادة داخليا، وعلى الوتر العاطفي الديني خارجيا وفي العالم العربي تحديدا.

آيا صوفيا من الداخل

أنا لا أجد أية رابطة بين مواقفنا السياسية وموقفنا أمام الله يوم الحساب، وإن كان لله أن يحاسبنا عن شيء منها، فعن الظلم، والاعتداء على حقوق الآخرين، الثقافية والدينية والاجتماعية، وعن النرجسية والاعتقاد بأننا أفضل الأمم وأحقها بالاستعلاء وإخضاع الآخرين، وعن التصور المشوه الذي نحمله عن الله وعن ما يريد منا أن نعتقده ونفعله في حياتنا العامة كما الخاصة، وهذا التصور هو سبب من أسباب بلوانا وتخلف حالنا.

خامسا، يقتضي الإنصاف منا، مادام البعض يصر على عدم إخفاء فرحه، أن نظهر نفس التعامل مع حوادث تحويل المساجد إلى كنائس، وبالتالي فإن ما حدث في الأندلس قبل خمسة قرون تقريبا هو حق سيادي للمسيحيين الذين استردوا أراضيهم من الاستيلاء الإسلامي عليها. العجيب، أن من كانوا يبرؤون فتوحات المسلمين من تهمة الاحتلال، وكانوا لا يتوقفون عن ترديد الضوابط الأخلاقية التي تحكم الفتح الاسلامي على مسامعنا، ومن بينها احترام الأماكن المقدسة وعدم المس بها وترديد قصة عمر مع كنيسة القيامة، تجدهم يبذلون الآن كل جهد في تبرير حادثة آيا صوفيا والقبول بها بل واعتبارها نصرا للإسلام! ونحن نطلب الوضوح من هؤلاء والثبات على رأي واحد: إما أن ممارسات كهذه تدخل في التعدي على حقوق أصحاب الديانات الأخرى مرفوضة جملة وتفصيلا من الدين نفسه، وهكذا لن نختلف حول وضع آيا صوفيا، وإما أنها مقبولة ومندوبة وفقا لأحكام الدين لأن فيها إعزازا للمسلمين وإذلالا لغيرهم، وهكذا أيضا لن نختلف حول أن هذا الدين هو دين يقوم على منطق القوة والتنكيل بالغير واستباحة حقوقه بعد التغلب عليه دون مراعاة للمبدأ الأخلاقي الكوني الذي يقضي بمعاملة الآخر بمثل ما يحب الشخص أن يعامل به، هذا الدين إذن لا أخلاقي ولايستحق أن يتبع!

أخيرا، الخطير في سياسات تركيا، أنها نجحت -عبر استخدام القوة الناعمة وغير الناعمة- في إقناع جمهور واسع من المسلمين في العالم العربي وشمال أفريقيا، بأنها ليست قوه أجنبية، وبأنها تدافع عن هويتهم وكرامتهم أمام الهيمنة الغربية، والأغرب أنها نجحت في كسب ولاءاتهم وإيهامهم بالانتماء الحضاري والتاريخي إليها، ما يفسر التسامح الذي أبداه البعض تجاه تدخل تركيا في سوريا سابقا، وفي ليبيا الآن! هذا يجعل تركيا الصاعدة أشد خطرا على الأوطان العربية من القوى الأجنبية الغربية، فهي أقل عرضة للممانعة وإن لم تجز المضاهاة بينهما في القوة، ولا أظن أن عربيا حرا يرضى العودة إلى زمن التبعية التركية، وهو يذكر ما شهده ذلك الزمن من تجاوزات أخلاقية وإنسانية، ومن إذلال لكرامته وتنكيل بلغته، كما لا أظن أن مغربيا أصيلا يقبل بكل روح رياضية، أن تذهب جهود أسلافه في الذود عن الاستقلال المغربي عن أية تبعية شرقية -وكذا غربية- أدراج الرياح، ويتحول بين عشية وضحاها وهو الذي ما انفك يستحضر -معتزا ومفاخرا- لحظة وقوف المد العثماني عاجزا أمام حدود أراضيه عن تخطيها، إلى خادم لحلم المد التركي هذا.


تذكير: الآراء الواردة في التدوينة أعلاه تخص صاحبتها فقط ولا تُلزِم فريق مدونة زوايا ولا قراءها ومتابعيها بأي وجه كان، ولكل وجهة نظره يدافع عنها.

اطمئن! لن يحاسبك الله من أجل آيا صوفيا

مريم وفيق

طالبة هندسة، مهتمة بالفكر والثقافة والفنون، وبكل ما يهم الإنسان