الإسباني عبد الله. سلمان الباحث عن السعادة، والآريسيون

  الإسباني “عبد الله المايوركي” 
تضم قافلة العظماء المائة، حسب تصنيف الدكتور الترباني في كتابه، اسم البطل الإسباني المسلم “أنسليم تورميدا”؛ الذي عُرف بعد إسلامه باسم “عبد الله المايوركي”، الشهير بـ”الترجمان”. كان قسّيساً عظيمَ الشأن في إسبانيا، إلى أن شرح الله تعالى صدرَ هذا الرجل إلى الإسلام، فأسلم وجهه لله. وجاهد بيده ولسانه وقلمه في سبيل الله. 
قصته العجيبة نجدها مفصَّلة في تحفته الأدبية الرائعة الموسومة بعنوان: “تحفة الأدب في الرد على أهل الصليب”. 
رحلة بطلنا في الإسلام لم تكن سهلة، فقد أخذته أسباب الرحلة ليترك مدينة “مايوركا” ومن ثم جزيرة صقلية، قبل أن يستقر به المقام في تونس أرض المسلمين. هناك، قصَدَ السلطان آنذاك، آبوعباس أحمد، كي يشرح له سبب قدومه وهو عزمه الدخول إلى الإسلام، وقد رحّب به السلطان. غير أن أحبار النصارى لم يسعدهم الخبر وفسّروا إسلامه على أنه بدافع حب الترويج لأن القسيس لا يتزوج. 
شهد عبد الله المايوركي شهادة الحق وتزوّج هناك وأنجب ولداً سماه “محمد” على وجه التبرُّك باسم نبينا صلى الله عليه وسلم. وقد تعلم اللغة العربية ليؤلِّف بها الكتاب المذكور سابقاً. 
من أعلى المراتب في دين النصارى إلى مسلم مؤلف لكتابٍ يعدّ الأول من نوعه في إثبات نبوة الرسول من الكتاب المقدّس نفسه، ثم إثبات تحريف الإنجيل من خلال الأدلة والبراهين. ويظل كتابه المرجع الأول والأساس لكل طلبة مقارنة الأديان عبر جميع العصور. 
  الباحث عن السعادة 
بطلُنا الثاني في يومنا الثامن من هذا الشهر العظيم، هو سلمان الفارسي، الباحث عن السعادة، اقتاده فضول المعرفة وحب الاكتشاف والبحث عن الحقيقة أن يترك المجوسية ديانةَ أبيه، معتنقاً المسيحية. انتقل بين بلاد عديدة جالَ فيها، إذ رحَل من بلاد الفرس إلى أرض الشام ومن ثم إلى الموصل شَمال العراق، ومن ثم إلى مدينة نصيبين (جنوب شرق تركيا الآن)، و من ثمّ قصد أرضاً بين حرتين (مجموعتين من الجبال) بينهما نخل، وفيها خاتم النبوة وبه علامات (يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة وبين كتفيه خاتم النبوة).. وفي سبيل أن يصل إلى أرض العرب، سَلّم كل ما يملكه إلى تجار قبيلة عربية. 
رحل سلمان الفارسي في الصحراء القاحلة وعانى الأمَرّيْن في سبيل أن يصل إلى مدينة بين حرتين و فيها نخل، والتي كان يطلق عليها اسم “يثرب”؛ وهي المدينة المنورة حالياً. 
أراد سليمان الفارسي أن يتأكد من علامات النبوة، فقدم شيئاً من التمر للرسول على أنه صدقة فلم يأكل منه، فقال سليمان: هذه واحدة، وعاد وأتى الرسول التمر على أنه هدية، فأكل الرسول صلى الله عليه وسلم منه، فقال سلمان: هذه ثانية.. وجاء إلى الرسول وهو مع أصحابه ليرى “خاتم النبوة”، وهو عبارة عن علامة في جسد الرسول تقع بين كتفيْه، وهي تشبه الشامة بحجم بيضة الحمامة. حينها، بكى سلمان الفارسي معانقاً رسول الله عليه الصلاة والسلام. قبل أن يحكي له عن مغامرته منذ بلاد فارس حتى تلك اللحظة.. مغامرة عظيمة تستحق التأمل في سبيل البحث عن السعادة. 
  الآريسِيُون 
في نهاية القرن السادس الميلادي وبداية القرن الـ7 م. وبين الفرس والرومان والهنود والعرب، كثُرت الديانات وتعددت الآلهة بين الحيوانات والأنهار والأصنام؛ رغم ذلك كانت هناك بقايا من الإنسانية مزروعة في وجدان طائفة من بقايا أهل الكتاب يقال لهم “الآريسيين”. 
أفراد هذه المجموعة كانوا يشهدون أنه لا إله إلا الله، وأن عيسى نبي الله، أيْ أنهم كانوا على دين الإسلام. أما سبب تسميتهم بالآريسين فيرجع إلى القرن الرابع الميلادي، حين ظهر رجل مصري يدعى “أثناسيوس” والذي قام بتغيير الدين الذي جاء به المسيح، فظهر قس أمازيغي يسمى” آريوس” وقد فند بعلمه وفصاحته شبهات مبدأ “الثالوث المقدس” الذي جاء به أثناسيوس، وفي مناظرة بين الرجليْن، انتصر آريوس بالضريبة القاضية بعقيدة التوحيد. 
ورغم ذلك، أمر الإمبراطور الحاكم حينها، الناس بالتوقيع على عريضة تنص على ألوهية المسيح، فرفض بطلنا العظيم آريوس أن يقبل بالشرك بالله .وتم نفيه إلى البلقان، وحرقت كل كتبه، واستطاعو تسميمه فاستشهد في سبيل الله، وهو الذي دفع حياته ثمنا لرفع راية لا إله إلا الله، عيسى نبي الله. 
ومن ثم انتشرت الديانة التوحيدية الآريسية في أوروبا وآسيا و الأندلس وبلاد العرب وغيرها من بقاع الأرض.. ولعله سبب كافي ليقول القديس جيروم، أول مترجم للكتاب المقدس :”العالم كله صرخ وتعجّب ليجد نفسه آريوسيا”.