الباب الأزرق

نوستالجيا الطفولة

لازلت أتذكر ذلك الباب الأزرق الصغير الموجود بالفناء الخلفي لمؤسستي الابتدائية؛ كان بمثابة محطة عبور للثانوية المجاورة للمدرسة. أقصى أحلامي آنذاك هي أن أجد طريقة أدخل بها من ذلك الباب لأكتشف العالم الآخر وراءه، عالم مبهم ضبابي يفصلني عنه دورة مفتاح في القفل. لطالما رسمت في مخيلتي الحالمة ذلك العالم الخفي،عن تلك الأشجار الباسقة بثمارها المتدلية على السور، ماذا يخفي هذا الباب وراءه ولماذا منع علينا الاقتراب منه؟

خططت كثيرا مع أصدقائي لاقتحام المكان، صياغة مفتاح أو سرقته من مكتب المدير. جربت تسلق الحائط فانتهى بي المطاف بكاحل مكسور وحلم مبتور… سيل من الأسئلة راودني كل يوم كيف هي الحياة بالثانوية؟ كيف تبدو وجوه التلاميذ؟ ما إحساس أن تكون يافعا وماذا يدرسون هناك؟ هل الثانوية تشبه تلك التي أراها بالأفلام الأمريكية؟ متى سأكبر لأكتشف تلك الأسرار؟! كنت أستبق عمري في كل شيء .. تمنيت أن أكبر بسرعة ومع كل يوم أتمنى ذلك تطول مدة الانتظار…

مرت عشر سنوات وها أنذا في سنتي الأخيرة بالثانوية، أقف أمام نفس الباب بالجهة المقابلة وأتمنى لو يعود بي الزمن للطفولة، لو لم أكتشف هذا العالم ولو لم أضيع طفولتي في التفكير به والرغبة في إشباع ذلك الفضول البريء. أمام الباب الأزرق تختلجني مشاعر غريبة جدا؛ شعور بالاغتراب عن نفسي. واضعة راحة يدي على الباب أتحسسه وأتمنى لو بمقدوري اختراقه لأعود لطفولتي وكأن فجوة زمنية توجد بهذا الباب. لو استطعت العبور للجانب الآخر سأجدني هناك طفلة صغيرة، أدنو منها وأهمس في أذنها قائلة “يا صغيرتي إليك نصيحة: لا تكبري أبدا ولا تضيعي وقتك في اكتشاف المستقبل فإنه آت لا محالة، عيشي طفولتك بكل جوارحك واستمتعي بكل جزء منها. ستفتقدين هذه الأيام ستشتاقين لنفسك القديمة .. اعتنِ بنفسك جيدا”.

حياتنا عبارة عن أبواب متتالية نمر منها، كل باب يمثل مرحلة من عمرنا وتجاربنا التي نخوضها لتفتح لنا العقول والبصيرة وتحولنا لشخص آخر أكثر وعيا ونضجا… فعش أيها القارئ كل مرحلة بحلوها ومرها … لا تستبق الزمن ولا تحاول البحث عن مفتاح الباب القادم ..عليك بنسيان الأبواب، عش حياتك … حين يحين وقت مرحلة جديدة ستجد الباب يفتح من تلقاء نفسه على مصراعيه… كن متأكدا من استكمالك لكل مرحلة ففي تلك اللحظة التي يفتح فيها باب جديد تذكر أن باب المرحلة السابقة سيغلق ولن تعود إليه مجددا، لذا كن على يقين أنك لن تبكي أمامه على أطياف ذكرياتك وعمرك الذي ضاع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *