التهور باسم الدين جريمة في حقه

الدين ليس أفيونا للشعوب

أتتذكرون اليوم السابع من الحجر الصحي؟ اليوم الذي استيقظت فيه واستيقظت البلاد كلها بوطنيتهاعلى خبر مفجع ارتجفت منه قلوبنا، وهناك من بات ليلتها يتلوى في فراشه من وجع ما رآه وتلقاه على مواقع التواصل الاجتماعي.
كل الجهود المبذولة وكل التضحيات التي قمنا بها حكومة وشعبا ضربت عرض الحائط في سبيل الدين وكادت تنسف كل شيء، ولست أدري إلى أي ديانة بالضبط ينتمون أولئك.
ثلاث مدن من التي يذيع صيتها ويضرب بها المثل في العلم والتحضر والرقي، يخرج بعض من سكانها من بيوتهم للانضمام إلى مسيرة التهليل والتكبير، بل ومسيرة الغباء والطعن في سمعة الدين الإسلامي والديانات السماوية الأخرى، والطعن في شرف العلم والسلام والإنسانية.
مسيرة بدعوى التضرع إلى الله وطلب المغفرة ليصرف عنا الوباء، مسيرة في حد ذاتها تعتبر بوابة لاختلاط الناس وتفشي الفيروس بينهم. فأطرقنا جميعا يومها نعزي بعضنا بالمزيد من العزل، ونهنئ بعضنا البعض باحتلال المراكز الأولى في عدد الإصابات والوفيات.
الناس أصبحت تولول وتستنكر هذه الحركة الشنيعة، هناك من يوجه اللوم إلى المطربين الذين استدعوا المواطنين ﻷداء النشيد الوطني من النوافذ، حيث يعتبرون هذه المسيرة ردا عليهم؛ وهناك من قال بأنها خطة إرهابية وراءها أياد خفية استهدفت ضعاف العقول من المواطنين بحجة الدين.
لهذه الأسباب أو ﻷخرى، من المسؤول الأول الذي يرجع له ذلك؟ وإذا كانت هذه العقول فعلا ضعيفة، فمن جعلها كذلك؟ من جعلها تنساق وراء الجحيم بحجة الدين؟ هل الدين هو المتهم؟
إن الدين وإن كان متهما فهو بريء وإدانته غير مثبتة، وإنه إلى جانب الإنسانية ضحيتان من ضحايا المجتمع.
هذا الأخير الذي كانت الغاية منه حماية الفرد، أصبح أول عدو له. فأن تكون منتميا لمجتمع ما يعني أنه من واجبك الامتثال لقواعده، يستدعي ذلك أن تكون مثاليا. ولتكون مثاليا يجب أن تكون لا إنسانيا، أن تتجرد مما يجعلك إنسانا، أن تصبح آلة مبرمجة تقول ما تسمع من المجتمع ولا تفعل إلا ما يقول المجتمع. يعني أن تحفظ عن ظهر قلب وتستظهر دون تفكير ولا تحليل، لترى ما إذا كان ذلك منطقيا ومعقولا أم العكس.
إن المجتمع يمنع الإنسان من توظيف العقل في التأمل والتدبر والتحليل، فإذا تجرد الحيوان العاقل من العقل تجرد تلقائيا من إنسانيته. ﻷن العقل هو ما يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات.
فهل يمكننا أن نعتبر من لا يوظف عقله إنسانا؟
إن الغاية من هذه الملكة ليست فهم الكلام وحفظه، أو التمييز بين ما يناسبنا من الأطعمة وما لا يناسبنا. فالحيوان أيضا يستطيع فهم لغته الخاصة، كما يستطيع التمييز بين العشب واللحم ليأكل ما يناسبه حسب طبيعته.
إن الله قد وهبنا العقل لنتأمل في خلقه، وصولا إلى الحقيقة العظمى وهي وجود الخالق، ليكون بذلك التأمل وتوظيف العقل مفتاحان للإيمان بالله والتمييز بين الحق والباطل، وبين العبادة والأذى، وإلا ماكان ليكون العقل شرطا من شروط الإسلام؛ فشتان بين ما نسمعه وما نستشعره بعقلنا وقلبنا معا.
إن ما جعل ضعاف العقول أولئك ينضمون إلى تلك القافلة اللعينة ليس إيمانهم باستجابة الله لدعائهم، بل إستجابة لنظرة المجتمع، فهي تعتبر الدافع الأول. وهنا لا أشير بتاتا إلى المجتمع الواعي بخطورة الأمر.
بعد أن تمكن المجتمع من تقليص إمكانية استخدام أفراده لعقولهم، وأخص بالذكر اللاواعيين منهم، أصبح يستعمل الدين لتوجيههم والتحكم فيهم، ومن لا يمتثل فهو عاص في نظر الجميع، ويتعرض للجلد طوال حياته تحت صوت التنمر ونظرة المجتمع
إن في البيوت صلوات تؤدى أصدق بكثير من تلك التي تقام في المساجد، وإن في القلوب دعوات تستجاب وأمنيات تتحقق دون الحاجة لمسيرة تهليل وتكبير؛ وفي الأخير يبقى الدين بريئا، ولن تثبت إدانته.

أميمة ازعيطر

طالبة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية تخصص أدب فرنسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *