الحجر الصحي بالمغرب وارتفاع العنف الزوجي

هل في ازدياد أم انخفاض؟

“على مدى الأسابيع الماضية، ومع تزايد الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية وتنامي الخوف، شهدنا طفرة عالمية مروعة في العنف المنزلي” هذه الكلمات المحذرة جاءت ضمن نداء لـ أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، والذي وجهه يوم الأحد الخامس من أبريل الماضي، إلى حكومات البلدان التي فرضت الحجر الصحي لمكافحة تفشي فيروس كورونا المستجد، والذي دق من خلاله ناقوس الخطر الذي بات يهدد ملايين من النساء والفتيات عبر أنحاء العالم، حيث قال “بالنسبة للعديد من النساء والفتيات، فإن أكثر مكان يلوح فيه خطر العنف هو المكان الذي يفترض به أن يكون واحة الأمان لهن، إنه المنزل” مطالبا الدول التي فرضت الحجر الصحي “جعل منع العنف ضد المرأة وجبر الضرر الواقع من جراء هذا العنف جزءا رئيسيا من خططها الوطنية للتصدي لفيروس كورونا”، و“إنشاء أنظمة إنذار طارئة في الصيدليات ومحلات البقالة” و” تهييء سبل آمنة للنساء لالتماس الدعم دون أن ينتبه المعتدون”.

بين مطرقة الحجر الصحي وسندان العنف الزوجي
منذ 20 مارس الماضي، اتخذ المغرب تدابير احترازية لمواجهة جائحة كورونا، حيث تم إغلاق الحدود وتعليق الرحلات البحرية والجوية وفرض الحجر الصحي على ما يقارب 36 مليون مواطن، لتجد الآلاف من النسوة أنفسهن محاصرات داخل المنازل إلى جانب أزواجهن الذين ازدادت وتيرة تعنيفهم لهن جراء انعكاسات الحجر الصحي المتمثلة في ضغوطات اقتصادية واجتماعية ونفسية، أدت إلى ارتفاع وتيرة الصراعات والخلافات بين أفراد الأسرة بسبب عدم قدرة هؤلاء على التكيف مع الوضعية الراهنة، ما جعل العديد من الجمعيات التي تعنى بقضايا النساء تسخر جميع مجهوداتها لتوفير الدعم والحماية لمن يتعرضن للعنف والاستجابة لاحتياجاتهن خلال هاته الفترة، فحسب دراسة حديثة للمندوبية السامية للتخطيط فإن من بين 13.4 مليون امرأة تتراوح أعمارهن بين 15 و74 سنة، أزيد من 7.6 مليون  امرأة تعرضت لنوع واحد من العنف على الأقل، كيفما كانت أشكاله ومجالاته، وذلك خلال الاثني عشر شهرا السابقة للبحث الذي تم إنجازه خلال الفترة الممتدة بين فبراير ويوليوز 2019، حيث تشكل الاعتداءات من قبل الأزواج 56.11 % من جميع قضايا العنف ضد النساء، وتعرض على المحاكم المغربية 17 ألف حالة من حالات العنف القائم على نوع الجنس سنويا، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن أزيد من 90 % من النساء المعنفات يمتنعن عن رفع شكاوي.

وفي هذا الصدد، أكدت بشرى عبدو رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة بالدار البيضاء، أن حالات العنف ارتفعت مع الحجر الصحي وهناك العديد من النسوة اللواتي لا يقدرن على البوح بما يتعرضن له من قبل الأزواج ولا يستطعن القيام بأي رد فعل تجاه المعنف حيث سلبت منهن كل سبل المقاومة بسبب إكراهات اقتصادية واجتماعية وفي ظل عدم توفر البديل وامتناع الأقارب عن استقبالهن، وهناك نساء لا يملكن حتى هواتف محمولة لربط الاتصال بالجمعيات من أجل توفير لهن الدعم أو إنقاذهن من براثن المعنف في الحالات الطارئة، مضيفة أن عدد النسوة اللواتي اتصلن بأرقام الهواتف التي وضعتها الجمعية رهن إشارة النساء اللواتي يعشن ظروف التعنيف، ارتفع خلال الحجر الصحي وأغلبهن توقفن عن العمل استجابة للتدابير التي اتخذتها الدولة لكبح جماح فيروس كورونا، إلى جانب أزواجهن، ما زاد الطينة بلة، موضحة أن الإكراهات المالية والضغوطات النفسية خلال الفترة الحالية جعلت الأزواج يصبون جام غضبهم على زوجاتهم اللواتي يمثلن الحلقة الأضعف في المنظومة الأسرية.

وكانت جمعية التحدي للمساواة والمواطنة قد أطلقت يوم 14 من مارس المنصرم مبادرة الدعم النفسي والاستماع عبر الهاتف وعبر منصات التواصل الاجتماعي لمواكبة النساء المعنفات، ورصدت لذلك خلية مكونة من مساعدة اجتماعية وأخصائية نفسية ومحاميين، حيث استقبلت الجمعية العديد من الاتصالات من النساء اللواتي يشتكين من العنف بشتى أنواعه خلال هاته الفترة، واللواتي استفدن من التوجيه النفسي أو الإرشاد القانوني، كما عملت الجمعية على مد العون للنساء اللواتي يشتكين من العنف المادي بتوفير قفف للمؤونة الغذائية، إلى جانب توفير المأوى لمن يعانين من حالة التشرد.

 تسخير التكنولوجيا لإنقاذ نساء المغرب المعنفات
في غياب أرقام مضبوطة عن نسب حالات العنف ضد النساء التي سجلت خلال الحجر الصحي المفروض منذ أسابيع، ووعيا منها بمعاناة شريحة واسعة من النساء المغربيات والأجنبيات المتواجدات على أرض الوطن من العنف الزوجي، عبأت منظمة الإتحاد الوطني لنساء المغرب أطرها من أخصائيين نفسيين واجتماعيين لاستقبال اتصالات النساء المعنفات عبر خط هاتفي مفتوح طيلة أيام الأسبوع، حيث دعت المنظمة النساء ضحايا العنف إلى الاتصال بالرقم “8350”، أو التواصل عبر منصة “كلنا معك” للتبليغ عن أي شكل من أشكال العنف الذي يتعرضن له، والتي تم إطلاقها يوم 29 يناير 2020، بهدف حماية النساء واستقبال شكاويهن وتقديم المساعدة النفسية والتوجيه القانوني، كما تم وضع تطبيق ذكي يمكن تحميله مجانا على الهاتف المحمول عبر “AppStore” أو “PlayStore”، والذي يتوفر على خاصية تحديد الموقع الذي تتواجد فيه السيدة المعنفة حيث يتم توجيهها إلى المصالح المختصة، خاصة الحالات التي تتطلب تدخلا مستعجلا.

كما أنشأت منظمة مرا، الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق النساء ومناهضة العنف القائم على نوع الجنس، صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تحت عنوان “كورونا فيولونس…معلومات توجيهية للنساء ضحايا العنف”، والتي توفر معلومات وبيانات للاتصال بالجمعيات المتواجدة في مناطق مختلفة من جميع أنحاء المغرب، من أجل الحفاظ ومواكبة الاستماع لنساء ضحايا العنف مع تمكينهن من الخدمات المتوفرة حسب الشروط.

وطالبت المنظمة في رسالة لها إلى كل من وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، وإلى وزير العمل وإلى رئيسة اللجنة الوطنية لحماية ضحايا العنف من النساء ورئيس النيابة العامة ووزير الصحة، بالتدخل السريع والاستجابة العاجلة لضحايا العنف الأسري والاعتداء الجنسي، الناتجين عن وباء فيروس كورونا وما نتج عنه من اختلال، مع دعم البرامج المخصصة لهن، داعية إلى اتخاذ إجراءات الطوارئ التي اعتمدتها السلطات بعين الاعتبار وبشكل آني ومباشر، احتياجات النساء وتمكين المجتمع المدني والفاعلين الحقوقيين من إمكانية الولوج إلى المعلومات والمعطيات الخاصة ببرامج الدعم وتمكينها من الموارد اللازمة خلال هذه الأزمة.

ماذا عن البلدان الأخرى؟
في فرنسا، ازدادت نسبة العنف الزوجي بنسبة 32% منذ فرض الحجر الصحي، وفي هذا السياق، كان وزير الداخلية الفرنسي، كريستوفر كاستنر، قد أعلن يوم الخميس 26 مارس الماضي، عن إنشاء نظام تنبيه بالصيدليات لتمكين النساء ضحايا العنف المنزلي من طلب الحماية من الشرطة أو التدخل الفوري في حالات الطوارئ.

من جهتها، نشرت مارلين شيابا، سكرتيرة الدولة المكلفة بالمساواة بين الجنسين، تغريدة على حسابها بموقع تويتر، تعلن من خلالها عن استمرار العمل برقم الطوارئ 3919 خلال الحجر الصحي، مطالبة باستعمال المنصة المعنونة ” Arrêtons les violences”، للتبليغ عن حالات العنف المنزلي خلال هاته الفترة الوبائية، والتي كانت قد أطلقتها الحكومة الفرنسية عام 2018.

في تونس، أكدت أسماء السحيري، وزيرة المرأة التونسية، أن عدد النساء ضحايا العنف تضاعف خمس مرات خلال الأسبوع الأخير من شهر مارس المنصرم، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، حيث تم تسجيل 40 بلاغا عن التعنيف في الأسبوع الأول من الحجر الصحي مقابل سبع بلاغات في نفس الفترة من العام الفائت، ولهذا الغرض تم إطلاق خط هاتفي أخضر (1809) لاستقبال مكالمات النساء ضحايا العنف، حيث يتولى 11 طبيبا نفسيا مهمة التخفيف من الضغط النفسي والعائلي، تقول الوزيرة.

شهادات من قلب الحجر الصحي
نعيمة في عقدها السادس، واحدة من النساء اللواتي ربطن الاتصال بإحدى الجمعيات للابلاغ عن التعنيف الذي تتعرض له خلال فترة الانعزال الاجتماعي، تقول نعيمة أن زوجها وبسبب مكوثه بالبيت طيلة اليوم أصبح يهينها أمام أبنائها الشباب ويتعدى الأمر أحيانا إلى ضربها وطردها من المنزل حيث تبقى خارجا لبضع ساعات قبل أن يهدأ روعه ويسمح لها بالدخول، مضيفة أنها تعاني من مرض مزمن وأن استمرار معاملته القاسية لها يمكنه أن يتسبب في تدهور حالتها الصحية، وليس أمامها خيار سوى الصبر حتى يتم رفع الحجر الصحي ويعود إلى عمله السابق.

إلى جانب نعيمة، تحكي فاطمة، البالغة من العمر 22 عاما، بصوت مبحوح عن معاناتها اليومية بسبب إهانة والدها وتعنيفه لها، فبعد أن كانت تعمل كمنظفة منزلية وتعيل أسرتها، أصبحت اليوم عاطلة عن العمل بسبب إجراءات الحجر الصحي ما جعلها عرضة للتعنيف من والدها الذي يطالبها بتوفير المال بأي طريقة، كغيرها من الفتيات لا تملك فاطمة أمرا آخرا سوى طلب المساعدة المادية والدعم النفسي إلى حين انجلاء هاته الأزمة وعودة الأمور إلى نصابها.

من زوجة معنفة إلى مرشدة اجتماعية
سناء البالغة من العمر 28 عاما، اختبرت العنف الزوجي لسنوات منذ عقد قرانها وهي لم تكمل بعد الثامنة عشرة من عمرها، وضعها القدر بين يدي زوج مدمن على الكحول وعنيف يغضب لأتفه الأسباب ويبرحها ضربا إن هي تخلفت عن واجباتها المنزلية أو امتنعت عن تلبية رغباته الجنسية التي كانت تمثل بالنسبة لها مزيدا من حصص التعذيب الجسدي، رغم حداثة سنها كانت تعي أن ما يمارس عليها لا يدخل ضمن المعاشرة الزوجية التي تنبني على التفاهم والاحترام، غير أنها لم تجد آذانا صاغية حين تبلغ عن العنف الذي تتعرض له من قبل من يجب أن يحميها ويوفر لها الآمان، قبل أن تقرر أن تضع حدا لمأساتها وتحمل حقائبها عائدة إلى منزل والديها، بعد شهور من العلاجات النفسية قررت العودة إلى مقاعد الدراسة والتخصص في المساعدة الاجتماعية، هي اليوم تعمل لصالح إحدى الجمعيات التي تعنى بقضايا النساء ضحايا العنف، تقدم لهن الدعم والمشورة وتقترح عليهن سبلا للتخلص من عنف الزوج.

تقول سناء أن نشر الوعي بين أوساط المجتمع خاصة النساء لأنهن الأكثر عرضة لشتى أنواع التعنيف، يشكل الحجر الأساس لمواجهة هذه الظاهرة، إلى جانب تعريفهن بحقوقهن وكيفية اللجوء إلى الحماية والاستشارة القانونية، وتصحيح المفاهيم المغلوطة عن علاقة الزوج بالزوجة والمستمدة من الفهم الخاطئ للدين وتوارث العادات والتقاليد التي تكرس النظرة الدونية للمرأة داخل المجتمع، كلها عوامل تساعد على الحد من انتشار العنف القائم على نوع الجنس، كما تدعو سناء بحكم تجربتها الشخصية إلى الوقوف بجانب النساء المعنفات ودعمهن ومساعدتهن على استرجاع الثقة بأنفسهن وتغيير طريقة تفكيرهن وعدم التطبيع مع العنف بكل أشكاله.

يعد العنف القائم على نوع الجنس من أهم التحديات التي تواجه الحكومات، فبالرغم من الإجراءات التي اتخذتها للحد من هاته الظاهرة الاجتماعية، جاء تقرير البنك الدولي صادما حيث كشف على أن نحو 700 مليون امرأة حول العالم تعرضت للعنف الزوجي، وتصدرت دول جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء والشرق الأوسط أعلى نسب النساء اللواتي تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي خلال حياتهن.

الحجر الصحي بالمغرب وارتفاع العنف الزوجي

أسماء ازواون

صحفية ومجررة، اهتم بكل جديد في عالم صحافة الحلول واعمل على تطوير مهاراتي بشكل دائم بالمشاركة في مختلف التدريبات المتوفرة، احب العمل التطوعي واللقاءات الاجتماعية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *