“الرعاية الأسرية ونفسية الأطفال” الجزء الأول

أي دور لبرامج الرعاية الأسرية في حماية الأطفال نفسيا خلال جائحة كوفيد-19؟!

من المعلوم أن الكوارث الطبيعية والأمراض المعدية والأوبئة مثل فيروس “كوفيد19” تعطل إيقاع بيئات
المنشأ الاجتماعي التي ينمو وينشأ فيها الأطفال، بل ويمكن أن يؤدي التعطيل الذي تتعرض له أدوار
الأسر والروابط الاجتماعية وكذا البرامج اليومية الاعتيادية، إلى تبعات على صحة الأطفال خاصة في
شقها النفسي؛ إضافة إلى ذلك، يمكن أن تتعرض آليات حماية الأطفال للاضطراب نتيجة الخطط الاحترازية والوقائية المعتمدة على مستوى ربوع العالم، في سياق محاربة فيروس كورونا ومنع انتشاره في أفق السيطرة عليه.

وقبل الخوض، دراسة ومعالجة، في موضوع هذه الورقة العلمية، يجب أن نطرح تشريحا علميا دقيقا لمظاهر التأثيرات الاجتماعية والبيئية لفيروس كوفيد-19 على المحيط العام لنشأة ونمو الأطفال، ويمكن أن نوجزها على النحو التالي:

▪︎الأسرة:
– انفصال أفراد الأسرة.
– محدودية الحصول على الدعم الاجتماعي.
– معنويات مهزوزة بين مقدمي الرعاية الاجتماعية.
– ازدياد خطر ومعدلات العنف والإساءات المنزلية.

▪︎المجتمع المحلي:
– انهيار الثقة وسيادة التوجس.
– التنافس على الموارد الأساسية التي تصبح في ظل ظروف الجائحة جد محدودة.
– محدودية إمكانية الحصول على خدمات الدعم المجتمعية والوصول إلى المرافق الاجتماعية الضرورية (التعليم، الصحة…).

▪︎المجتمع:
– تراجع قيمة الرأسمال الإنساني.
– تعطيل الخدمات الأساسية أو تقييد إمكانية الحصول عليها.

▪︎الطفل:
– ازدياد معدلات تعرض الأطفال للإساءات والعنف النفسي والجسدي ما ينعكس على نموه الطبيعي.
– تعرض الأطفال للإهمال والاستغلال.

▪︎الأسرة:
– تعطيل سُبل العيش.
– تعطيل الروابط الأسرية والدعم الأسري.
– يصبح أفراد الأسرة تحت ضغط فوبيا الإصابة بالمرض.


شكل التفشي الفجائي والمتسارع لفيروس كورونا في مجموع كوكب الأرض والإجراءات المتعلقة به ضغوطا كبيرة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية وبدرجة أكبر النفسية، هذا في على عالم الكبار فما بالك بالأطفال الذين وجدوا أنفسهم الحلقة الأضعف نفسيا فيما يخص التعامل مع هذا الوضع الجديد الذي تغير فيه كل شيء أو كاد.
وفي مثل هذه الأوقات يلجأ الأطفال للبالغين لفهم ما يجري حولهم وبث الطمأنينة في نفوسهم الحساسة الصغيرة.
وفي ضوء إصابة مجتمعات بأكملها بالقلق والتوتر في أقصى تجلياته نتيجة تفشي الفيروس، فقد انعكس هذا القلق بدرجة أكبر على الأطفال، الذين يختلفون في طرق التعبير عن هذه المشاعر بحسب فئاتهم العمرية وتبعا للاختلافات الفردية بين طفل وآخر وكذا بيئة منشئهم.

وفي ذات السياق يؤكد العديد من الاختصاصيين في علم النفس السلوكي٬على وجود مجموعة من الأعراض التي يمكن للآباء والأمهات أن يدركوا من خلالها وقوع أطفالهم تحت وطأة القلق والتوتر نتيجة تفشي فيروس كورونا؛ من بينها:
– أعراض مزاجية: كأن يصبح الطفل أكثر عصبية أو أسرع استثارة أو أن يبكي بكاء غير مبرر أو يغلب عليه الحديث عن الخوف.
– نقص الانتباه وضعف التركيز وسهولة التشتت.
– تغيرات سلوكية واضحة كزيادة الحركة أو نقصانها، كثرة الجدال، انخفاض الرغبة في اللعب مع الأقران، وزيادة التعلق بالوالدين أو أحدهما.
– اضطرابات النوم.
– سمات عُصابية مثل قضم الأظافر ومص الإبهام وغيرها.


• الدعم النفسي في سياق الرعاية الاجتماعية
تختلف طرق التعامل مع هذا القلق أيضا من طفل إلى آخر، لكن وبشكل عام تقدم منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة – اليونيسيف٬ طرقا يمكن من خلالها للآباء والأمهات دعم أطفالهم للتعامل مع ما يمرون به من مشاعر خلال هذه المرحلة، تشمل مراقبة البالغين لسلوكهم ومحاولة البقاء هادئين قدر المستطاع إضافة إلى تشجيع الأطفال على التعبير عن مشاعرهم وطمأنتهم من خلال الحديث إليهم حول الفيروس بهدوء وروية وبشرح جد مبسط يؤكدون من خلاله لأطفالهم على أن الأمر يتعلق بفيروس جد عادي يمكن التغلب عليه بتبني خطة احترازية أهم عناصرها: الوقاية والتباعد الاجتماعي والنظافة.
كما تدعو المنظمة الأممية (اليونيسيف) البالغين إلى محاولة صرف نظر الأطفال عن مشاعر القلق والخوف بممارسة أنشطة محببة إليهم، والاستمرار بالحياة الطبيعية قدر الإمكان للتخفيف من حدة التغييرات التي يمر بها الأطفال.

• التعليم عن بعد
ومع إغلاق معظم المدارس حول العالم، بسبب انتشار الفيروس، وجد الآباء والأمهات أنفسهم أمام تحدٍّ ضاغط آخر٬ وهو المتمثل في تقديم الدعم لأبنائهم لإتمام تعليمهم عن بعد. نمط التعليم هذا يأخذ أشكالا جديدة ومختلفة٬ فبينما يكون التعليم عبر الأنترنت متاحا لأطفال في مناطق عدة، لا تتوفر هذه الإمكانية أمام أطفال آخرين لأسباب عدة ترتبط غالبا بعوامل سوسيواقتصادية.
وتقول المرشدة والأخصائية التربوية تمارا نفاع، إن هناك مجموعة من القواعد يمكن، في حال اتباعها، جعل عملية التعليم المنزلي أكثر سلاسة وإمتاعاً للأطفال وذويهم وتشمل هذه الخطوات:

-التهيئة النفسية: حيث ينظر الكثير من الأطفال في العالم إلى فترة إغلاق المدارس على أنها إجازة للعب والاستمتاع، لذا يؤكد العديد من علماء الاجتماع وأخصائيو علم النفس٬ على ضرورة تهيئة الأطفال نفسياً بأن الدراسة مستمرة ولو عن بعد عن طريق الالتزام قدر المستطاع بروتين شبيه بذلك الذين كان متبعاً أيام الدوام المدرسي٬وإن مع تخصيص ساعات أقل للدراسة وجعل العملية ممتعة قدر الإمكان.

– التهيئة المادية: إذ لا بد أن يحاول الأهل قدر المستطاع تأمين كل ما يلزم للطفل من كتب وأدوات ساعة جلوسه للدراسة، إذ أنَّ هذا الأمر يمكن الطفل من المحافظة على تركيزه ويقلل من تشتت انتباهه، كما يجعل الحدود بين وقت الجلوس إلى الدرس ووقت اللعب واضحة.

– تنظيم وقت الطفل والاهتمام بصحته البدنية والنفسية: عبر تخصيص وقت للترفيه وقضاء وقت مع العائلة

ترك انتشار فيروس كورونا والإجراءات المتعلقة به كثيرا من الضغوط والأعباء على البالغين والأطفال، لكن الأخصائي النفسي الدكتور محمد جمال يقول إن بقاء العائلات في منازلها وتحول كثيرين إلى العمل من المنزل قد يشكل فرصة لقضاء الأهل لوقت أطول مع أبنائهم ودعمهم نفسيا وتعليميا والترفيه عنهم، مع ما يشكل ذلك من رفع منسوب الأواصر الاجتماعية٬ علاوة على كون إمكانية الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي في البقاء على تواصل دائم، ولو افتراضيا، مع الأهل والأحبة والأصدقاء، إلى أن ينتهي العزل وإجراءات التباعد الاجتماعي التي فرضها فيروس كورونا على النمط الاعتيادي للناس في ما يخص التواصل بينهم.

يتبع…

“الرعاية الأسرية ونفسية الأطفال” الجزء الأول

عبدالعالي الطاهري الإدريسي

▪︎دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في الإعلام والاتصال. ▪︎ماجيستير العمل البرلماني والصياغة التشريعية.