الزواج قسمة ونصيب أم قرار واختيار؟

رسالة لكل من يعتقد أن الزواج محتم على كل أنثى ولدت في هذا الكون

موضوع هو محط اهتمام العديد من المجتمعات التي مايزال الجهل معششا في دماغها وقابعا في جذورها، هو وبكل بساطة “الزواج” فالكثيرون رجالا ونساء يعدون الزواج أمرا حتميا لكليهما، غير أن الأصابع تشير في غالب الأحيان إلى الفتاة، حيث يعتقد أن كل أنثى ولدت في هذا الكون محتم عليها الزواج؛ ستتزوج عاجلا أم آجلا.

فمنذ نعومة أظافرها يتم إعدادها مسبقا لشغل هذه المهمة، مهمة رعاية الزوج وإنجاب الأطفال حيث يتم تعليمها أعمال المنزل، وكذا الهمس في أذنها بأن تركز جيدا وتتصيد أول من ينال إعجابها والدخول في تلك العلاقات الغرامية المزيفة التي تعود على أصحابها في الغالب بكثير من الخسارة، وكله بهدف اللحاق بقطار الزواج وبالتالي يظنون أن من لم تركب هذا القطار أو فاتها كما يزعمون ” مسكينة “ و“عانس” وتوجه إليها مختلف نظرات الشفقة وكأنها حالة شاذة في المجتمع والأسوياء هن من يحالفهن الحظ ويتزوجن…

ولكن أين هم من الدين؟ أين الفهم العميق لأقدار الله سبحانه وتعالى وأرزاقه؟ أما يعلمون أن الزواج رزق وقدر مثله مثل الصحة والجمال والمال.. والأرزاق معروف منذ الأزل أنها مقسمة كما جاء في الذكر الحكيم ” إِنَّا كُلّ شَيءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ” وهذه العقيدة يجب أن ترسخ في عقل كل مسلم، ومن ثم إذا آمن الجميع بذلك فلا يقلق على رزقه أو مستقبله لأن الأرزاق مقسمة وكل فاض الله عليه برزق معين كما قال الشاعر حافظ إبراهيم ” فالناس هذا حظه مال وذا علم وذاك مكارم الأخلاق”. فمثلا قد نجد أحدنا يملك جمالا باهرا ولكنه يفتقر إلى صحة جيدة والعكس صحيح. فالزواج إذن يكون من نصيب أحدهم وقد لا يكون من نصيب آخر طبعا ذلك لحكمة يعلمها الله، وبالتالي فهو لا يعدو كونه قسمة ونصيبا لا قرارا بإمكان أي منا اتخاذه متى شاء وحتى لو فعل فمن المؤكد أنه لن يكون بمنأى عن احتمالات عديدة قد يكون أحدها فشل هذه الرابطة التي خصها الشرع بقدسية لا مثيل لها، وبالتالي لا نستطيع إدراك حكمة الله سبحانه وتعالى في منعه وعطائه.
إن الأمر يطال الجنسين معا الذكور والإناث، غير أنني أجد أن الأعراف والعادات المجتمعية الهالكة تضع الفتاة في بؤرة الموضوع حيث أنها لا تسلم من ألسنة الجارات اللواتي يطربنها بكلمات من قبيل “متى سنفرح بك”،”متى تصيرين أما” في كل مناسبة أو حتى لقاء عابر في الشارع العام، وكذا الأهل إبتداء من الوالدين فالجميع ينتظر بلهفة سماع أخبار سعيدة حسب ظنهم والتي طبعا تحوم حول زواج ابنتهم الكبرى.. وهكذا يتم التأكيد من جميع الجهات بأن الزواج قرار وعلى كل أنثى الإسراع في البحث عن فتى أحلامها وأيضا القبول بأول من يطرق بابها بغض النظر عن مواصفاته ومبادئه… مستبعدين احتمال أنه قد يكون مقدرا على تلك الفتاة أن لا تتزوج ولن يكون مكتوبا عليها ذلك أبدا حتى ولو اجتمع أهل الأرض والسماء، والله لن تتزوج لأن خالقها قدر عليها عدم خوض تلك التجربة وأكيد ذلك في صالحها ولا يجب عليها التسخط على قسمة الله ونصيبه كيفما كان، فكم من متزوجة تعاني الويلات وتتمنى لو لم تعرف ما هو الزواج أصلا، وكم من عازبة تعيش السعادة على مصراعيها… إذن مادمنا مؤمنين ومستوعبين أنه لا يعد سوى رزقا لا يمكن أن يناله جميع البشر فلماذا هناك من يشغل نفسه كثيرا بهذا الأمر ويرتكب أبشع المعاصي وأكبر الكبائر فقط بدعوى الظفر بزوج أو زوجة؟ حيث يبحثون عنهم في بطون مواقع التواصل أو على عتبات الشوارع وغيرها الكثير..

أرجوكم اتركوا الأمر لله وعيشوا حياتكم دون التفكير في هذا الأمر بتاتا، طوروا من أنفسكم ونموا ذواتكم واهتموا بها جيدا، فإن قدر لكم الزواج فستكون إضافة جميلة لحياتكم، تذكروا قلت إضافة أي أن لاشيء ينقصكم في الأساس فأنتم تحبون أنفسكم وتقدرونها كل التقدير وتسيرون بها نحو المعالي، هو مجرد إضافة لا غير يضفي لمسة على حياتكم تتمثل في الأطفال وتكوين أسرة.. وإن لم يكن مقدرا عليكم الزواج فلابأس أبدا.
واصلوا مسيرتكم وحققوا إنجازتكم كما يجب، كونوا نافعين ومفيدين لمجتمعكم، وطدوا علاقتكم بخالقكم حتى تنالوا الرضا والسكينة وكذا السعادة المنشودة المتمثلة في القرب من الله عز وجل لأن لا الزواج ولا شيء آخر يمكن أن يجعلنا نعيش السعادة الكاملة ونعيش الحياة المثالية لأن هذه الدنيا هي دار شقاء وكد ودار كبد وتعب ولا تكمل لأحد كما جاء في الآية القرآنية الكريمة “وَ خَلَقَنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدْ”، ومن يقول نعمتي الأبوة أو الأمومة ضرورية فأختلف معه في كونها ليست واجبة أو ضرورية هي أكيد نعمة ولكن قد تتحول إلى نقمة. كم من أب تمنى لو لم يرزق بابن كونه عاقا مثلا وكم من أم هجرها أولادها وتركوها وحيدة لا أنيس ولا قريب تبكي حسرة على ما أعطت وقدمت دون مكافأة، وكم من زوجين جالا الكون وما فيه بحثا عن علاج ييسر لهما إنجاب الأطفال لكن دون جدوى فعاشا وحيدين.

لذا أحكام الله وأقداره لا جدال فيها بل رضا وتسليم وحمدا له لأنه مؤكد أننا إن لم يكن مصيرنا الارتباط فسيجنبنا ربنا العالم بأحوالنا الكثير من المصائب التي من الممكن أن تقع لنا إذ نحن تزوجنا فله كل الحمد والشكر على أرزاقه ونعمه الكثييرة جدا والتي لا يمكن أبدا حصرها في واحدة او اثنتان.

وبالتالي سنهتم بحياتنا كما هي ونكون أبناء بارين بوالدينا ففي هذا كل الخير وكذا أناس طيبين متصفين بالأخلاق والمبادئ السامية تجعل كل من يرانا يدعو لنا بالخير والسداد، كما ينبغي علينا السعي لترك بصمتنا في هذه الحياة وأن نزيد عليها ما يعود بالنفع لنا ولمجتمعنا وأن لا نكون عالة كما يقول مصطفى صادق الرافعي “إذا لم تزد شيئا على الحياة كنت زائدا عليها”؛ وكذا نسعى أن نكون عبادا صالحين ونعمل للحياة الأبدية التي تنتظرنا والتي نأمل أن نعيشها سعداء فرحين بما آتانا ربنا عز في علاه ونتفادى التعلق والتمسك الشديد بهذه الدنيا التافهة التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة.

حسناء المرابط

مدونة مغربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *