المتاهة

هل فعلا نحن متصالحون مع ذواتنا؟

اذا ما صار ورأيت أحدا ينظر ذات اليمين وذات الشمال وفي يده قنديل، فاعلم أن من وراء سعيه لذة ومتعة وشوق الوصول إلى ساعة المشاهدة واعلم أنه يرى ويدرك أكثر مما يسمع أو يلمس، وأن عينيه تنظران إلى مسافة أبعد مما يضئ القنديل، فما أجمل الانتظار على هذه الحالة وما أجمله في هذا الزمان…

وإذا ما رأيت رجلا انقطع عن الكلام فاعلم أنه ليس بأخرس أو أصم أو أبكم، بل اعلم أنه لا يكف عن الكلام، فما أحوجنا إلى حاسة بها نسمع في هذا العصر..
وإذا ما مررت في أحد الأزقة المظلمة ورأيت أعمى جالسا وليس في يده عصا فاعلم أنه ليس بحاجة إلى هذه العصا لأنه يدرك الطريق خير إدراك ويحفظها بتفاصيلها أكثر من كل المبصرين، وهو أصدق مع الظلام، ما عاد يخافه أو يهابه ولا يرتاب منه، فما أعوزنا في هذه الظروف إلى فانوس يضيء البصيرة وينور الطريق..
هذه الشمعة تريد أن تنطفئ ثانية لتجعلني صديقة لظلام منتظر وينبوع ضوء عيني قليل لايكفي.. قمت وأغلقت كل الأبواب والنوافذ ولا تزال الشمعة تهددني بالانسحاب والانطفاء وهي تعلم أن نهاري سحابة لا تطاوعني لأعرف الطريق إلى المادة البيضاء التائهة؛ متى لم أعد من المبدعين فقد صرت من التابعين؛ لا حول لي ولا قوة.

المتاهة التي نعيش داخلها تجعلنا نخاف ونبتعد عن معنى الحياة، لذا لابد لنا أن نتعلم العيش داخل هذه الحياة بكل مخاوفها، كوابيسها وشدائدها مهما كانت وكيفما كانت، فالنظر إلى الأعمى وهو متصالح مع الذات التي ينتمي لها دون أن يخاف الظلام الذي صار ينتمي إليه ويعيش داخله.. هو بالفعل معنى الحياة.
أن ترى أبكما وهو متصالح مع ذاته ومتقبل للاختلاف الذي صار جزءا من حياته لهو معنى الحياة الحقيقي التي لا بد لنا أن ندركها ونتعلم العيش لها وفيها ومع كل من يتواجد معنا، فالتصالح مع الذات دونما خوف أو تهويل هو بيت القصيد من الحياة وسبيل الطمأنينة والعيش براحة فيها.

المتاهة

سهام حجري

صحافية و مديرة نشر بمجلة مغربية عربية و رئيسة جمعية ,حاصلة على الاجازة في الصحافة و ايضا على ماستر تواصل ثقافي كما سبق لي ان اشتغلت بالعديد من المواقع الالكترونية و الجرائد الورقية و ايضا عملت في اذاعة فاس الجهوية و بالتلفزة المغربية لفترة وجيزة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *