انتصار الوحدة

كرة القدم لعبة تجمع فريقين من إحدى عشر كوكبا متحركا وحارس عرين أنيق بقفازات سميكة للتصدي لقذفات الخصم الغادرة. لعبة تجري أحداثها على رقعة عشب طبيعي زاهي اللون في حيز زمني لا يتعدى التسعين دقيقة أو تزيد قليلا..
منتخبات انهزمت فانكسرت، وأخرى لم تستسلم فقاومت أملا في تجاوز الفريق الخصم وتسلق سلم الإقصائيات تصاعديا نحو التتويج بالكأس والظفر بشرفِ رفعه أمام أعين المناصرين والمشجعين، لعبة قد تُسجِّل فيها بالرأس، بالقدم، بضربة جزاء أو مقص.. لا يهم مادام عَدَّاد النقاط يسجل ثلاثاً.. 
المشجعون يعيشون فيها ومن خلالها اضطرابا عاطفيا وانفعاليا قويا أثناء خوض غمار المواجهة بين صعود ونزول، هجوم ودفاع، بين فرحة انتصار وخيبة إحباط طيلة مدة المواجهة، متحملين كل الضغط للظفر بالهدف المنشود… وكرة القدم أهداف… 
صحيح هي مجرد لعبة، لكنها شعبية بشكل رهيب وقاسم مشترك بين مختلف التلوينات والتقسيمات الأفقية والعمودية، تجمع الشيخ والطفل، الغني والفقير، الذكر والأنثى، كُلاًّ وموقعَه… خاصة إذا تعلق الأمر بالمنتخب؛ هذا الفريق “الرمز” الذي يُوَحّد الجميع ويُذَوِّب الاختلافات والألوان تحت راية واحدة، تقود الجميع نحو هدف واحد.. النصر!! 
لعبة قد تفرق كما قد تُلِمُّ شمل شعوب بأكملها. في تاريخ المواجهات بين المنتخبات؛ البارحة أحبط المنتخب الجزائري نظيره المغربي مع تشكيلة ” رابح مادجر”، وفي لحظة ما جاء الرد تواليا بانتصارين تاريخيين لمنتخب المغرب ضد منتخب الجزائر مع كتيبة “الشماخ” و”حجي” وآخرين.. 
لكن هذا ” الكان” المصري كسر قاعدة الصراع التقليدية؛ فأعلن المشجعون المغاربيون تضامنهم مع بعضهم البعض دون قيد أو شرط، “فاتفقوا أخيرا على أن يتفقوا” على دعم وتشجيع أي منتخب يلعب مباراة في المنافسة تحت شعار “خاوة خاوة”، روح جوارٍ أخوية جماعية ذوَّبت ما اقترفته أخطاء السياسة والساسة، ركزت على التاريخ والهوية المشتركَيْن ووحدة المصير، في وقت تتجه فيه الشعوب نحو الوحدة وتجاوز ألغام الماضي؛ بدأت عتمة خيوط العنكبوت بالتلاشي، وأفلس معها تجار الحقد والكراهية والتفرقة.. هي مبادرة عفوية طبعا لكنها جسدت في رمزيتها مستوى آخر من الوعي وتجاوزا لمشكلة قِصَر النظر.. 
رايات مغربية وتونسية جنبا إلى جنب لدعم مبارايات منتخب الجزائر في المدرجات أمام غينيا، نيجيريا ثم النزال النهائي أمام السينغال.. وقبل ذلك اقتسموا المسكن والمأكل، فجَسَّدت روحا مغاربية مزقتها حدود مستعمر وهمية مفروضة ومرفوضة، حاكت أناملها أجمل زركشات تقليدية وانتربولوجية موحدة؛ شكّلت في مجملها أحلى “زربية” يدوية تقليدية تميز ثقافة شمال إفريقيا، فرسمت لوحة فنية متسقة الألوان والحركة، عبرت عما يجمعنا أكثر مما يفرقنا لحنا وكلمات ووجدان، في كل مرة غنت حناجر مختلفة نفس الأهازيج، وتحدثت لغة الجيران المفهومة دون تعقيدات.. 
ناضل الشعب الجزائري في الشوارع، وانتصر المنتخب الجزائري المحارب في الملعب عن جدارة واستحقاق، غنى سمفونيات أعذب ألحان “الكان” من مقامات أم كلثوم ورومانسيات عبد الحليم حافظ، وأقنع ببلاغةِ وبيانِ لغة طه حسين، جذَّف بقوة أمام خطر تماسيح النيل ونجح في العبور للضفة الأخرى، تسلق أعلى أهرامات الجيزة ولامس أنف الفرعون المكسور… أثلج صدر المغاربيين بفوزه بقلوب الملايين، قدّموا هدية لا ترد أداءً ونتيجة، وبالتوازي، قدم الجمهور الكروي درسا جديدا لمن يهمه الأمر؛ آملين تحقيق انتصارات أخرى في مجالات أخرى أهم.. 
 
 

خالد وديرو

مدون و طالب إعلام