انقذن ما تبقى من بناتكن

التأثير السلبي للعالم الافتراضي والهواتف الذكية على اطفالنا

إن التسلح بالمبدأ القائل بعدم الفصل في جنس الأمور بيد أن حتى المنحنيات الرياضية نسبية، ساعدني كثيرا في تخطي أنانية الأفكار المتعصبة وجعلني أمام عقلي ندا لند في محاولة كل منا لإقناع الآخر وتمحيص فكرته وضحدها أحيانا كثيرة باستثناء بعض الممارسات التي تذهب بما يتبقى منا.

كالآتي ذكره، ولا أعتبره ضد فكرة أن الفرد ليس حرا في اختياراته بناء على شخصيته وما يناسب ميوله، إنه لا يعدو يكون استنتاجات قد تكون قاصرة وقد تسلم من ذلك.

منذ مدة ليست بالبعيدة كنت أجالس قريبة لي تعدت عقدها الأول بأيام قليلة، ومن منا لم يحادث طفلا إلا ودفعه شيء لسؤاله عن حلمه الكبير أو لماذا يطمح.

كنت على استعداد تام أن احتضن ما توصل إليه شغفها الطفولي بحب كبير خاصة وإن كان فيه خروج عن المألوف وعن ما تسعى سلطة الآباء لنحته في مخيلات أطفالهم من كليات طب وهندسة وقانون، كان الأمر سيكون مثيرا أن تخبرني أنها تود كثيرا أن تكون رسامة تخط بريشتها ما نعجز عن التعبير عنه، أو أنها ترغب في أن تكون طباخة تصنع بأناملها الكثيرة من السعادة اللذيذة، أو أنها ترغب في أن تكون عالمة فضاء...، ما يهم فعلا هو تلك الدهشة الأولى عند إحساسك بمجهودها المبذول لصياغة حلمها الخاص.

كانت إجابتها على قدر برائتها قوية وصادقة، وبالنسبة لي كانت صاعقة للحد الذي جعلني أبتلع لساني، أخبرتني واللمعة في عينيها “ أحلم أن يتجاوز عدد متابعيني على الانستغرام المئة ألف و أن أشتري الكثير من “الماكياجلأتمكن من تصوير فيدوهات تعليمية و نشرها كما أود أن ألتقط صورا في أماكن متعددة لنشرها وأشتري ثيابا كثيرة كفلانة! “.

لم يكن من الصحي إجهاض فكرة تراها هي حلما كبيرا كما لا يمكنني إسداء نصائح لطفلة لا زال تكوينها لن يتقبل، ذلك لأن عمرها يسمح لها ببناء أفكارها عن طريق ما تراه أي ما يصل إليه بصرها من صور وأحداث و مواقف.اكتفيت بابتسامة باهتة.

إلا أنني أرغب حقا أن أتوجه لكافة الأمهات ولمشاريع أمهات في المستقبل. إن تمكين بناتكن من التعرف على عالم افتراضي في سن مبكرة هو جرم في حقهن، الأمر ليس مسليا كما تعتقدن وليس هينا أو سهلا إنه توجيه عقيم، إنه شل لقدراتهن وطاقاتهن وتحويلهن لماكينات سخيفة.

لم تعمل عائلتي على تمكيني من هاتف ذكي إلا حين تسجيلي بالجامعة ولدواعي الحاجة فقط، كنت أجد أن الأمر غير عادل لكنني الآن اكتشفت أنه توجيه صحيح ساعدني جدا في أن أكون أنا الآن بشخصيتي التي أفخر بها، يكفي أنني حصلت على وقت كافي و إضافي لتوطيد علاقتي بالكتب ولاحتضان أحلام واقعية والإيمان بها.

و بدوري لن أعمل على تمكين أطفالي من هواتف ذكية ولن أسمح لهم بالتعرف على عالم سيشل قدراتهم وسيجعل منهم شخصيات تافهة على الأقل إلى حدود عمر معقول سينتهي فيه دوري التوجيهي.

كما أنني لن أسمح لهم بحمل هاتفي بغرض انشغالهم لضماني جلسة شاي لا يعلوها صراخ رفقة صديقاتي.
كما لن أستسهل حصولهم على هاتف أبيهم بين الفينة والأخرى.
أن يعلو صراخهم أرجاء البيت أو أن تغدو جدران الغرف لوحات فنية مليئة بخربشاتهم أو أن يعبثوا بكتبي خرابا أو أن يكسرو من الأواني ما تيسر لهم أو أن أجد ألعابهم تحت وسادتي بعد ليلة نوم غير مريحة، أفضل بكثير من أن أشتري هدوءهم بهواتف ستجعلني مستقبلا ألعن نفسي ويلعن الباقون تربيتي.

يا معشر النساء، انقذن ما تبقى من فتياتكن إن الطفولة هي الفصل الحسم لا تتخيلي أن حفظهن لرموز الهواتف أو كيفية تسجيل الدخول بمواقع التواصل أو التقاط الصور أو تمرير مكاملة هاتفية أمر رائع، على العكس من ذلك إنه تدمير شامل واغتصاب تام لأحلامهن وطفولتهن وشخصياتهن وتكوينهن.

لا نريد المزيد من الفتيات التافهات يكفي ما تزخر به هذه الأرض المباركة منهن الآن…
نريد شخصيات متوازنة؛ قارئات نهمات؛ نساء ذوات بصيرة وفكر؛ مبدعات؛ صاحبات همم…لا خوف على جيل من إنتاجهن.

لا فتيات يسعون خلف الكاميرات بأفكار عقيمة، لا يحملن كتابا بقدر ما يحملن “الهايلايت“، يبيتون الليل في تجسيد مقدس لرقصات “التيك توك“، يحلمن بفارس أحلام وحفلة عرس لتوثيقها عبر الانستغرام وعنونتها بسبحان الذي سخر لنا هذا فقط من أجل وابل اللايكات والتعاليق والمتابعات الإضافية.

اصدقنني القول تمكيني لأطفالي من هواتف خاصة لا يعبر أبدا عن مظهر من مظاهر الترف أو أنني أحسن إليهم،إنه تصرف غبي وأحد أوجه اللامسؤولية.

إنني أفضل أن يرفعوا أبصارهم ليجدوا كتبا في كل مكان أن ينبهروا بشكل المكتبة المعلقة على جدار البيت المميز ذاك-والذي غالبا ما تعمدون تخصيصه لأجهزة التلفاز- على أن ينبهروا بذكاء هاتف يقايضهم بغبائهم.

انقذن ما تبقى من بناتكن

خديجة رضى

طالبة باحثة بسلك الماستر تخصص قانون خاص و مهتمة بالتدوين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *