بيروت المجنونة.. بين السينما والواقع

فيلم يوثق التاريخ والحاضر معا

إن لم تخني ذاكرتي، فإنه ثاني عمل سينمائي لبناني أشاهده في مسيرتي كمتفرجة؛ ولم أندم قط على الوقت الذي خصصته له!
“بيروت الغربية “تم انناجه سنة 1998، فيلم نوعي ينتشل الحزن والألم منك بطريقة خرافية لمدة ساعة وأربعين دقيقة – مع أن أحداثه تدور حول بداية الحرب الأهلية بلبنان سنة 1975 -ليعود ويزرع فيك نفس الألم والحزن في الدقائق الأخيرة منه…
فيلم عبقري من ناحية الإخراج حيث ترى الحرب بمنظورآخر، و لنقل أن الحرب عند البنانيين ليست كباقي الحروب في باقي بقاع العالم! فيلم ثقيل من حيث الرسائل والعبر المستنبطة …يطغى عليه الطابع الكوميدي، نعم، تستطيع  الكوميديا أن تجمل الحرب في أعيننا..هنا الغرابة والإستحالة والإمكانية…. يمكننا القول أن الفيلم درامي أيضا، تلك الدراما العربية المتميزة نادرة الوجود!
في هذا الفيلم، معاني بليغة عن الإنتماء للوطن جسدها والد طارق النويري الطالب الثانوي المتمرد وهي الشخصية الرئيسية للفيلم، وأخرى عن مواقف صداقة حقيقية بين طارق وعمر، وكذا مفارقات مضحكة عن تضحية وجنون الزوجة والأم العربية.

ينقلك الفيلم الى قلب المجتمع اللبناني حيث المفارقات لا حصر لها، طائفية وتعايش، حرب وسعادة، فساد ووطنية..وأمور لا يفهمها الا أصحاب تلك الارض …أناس إنبنت ثقافتهم على حب الحياة والفنون …شعب عنيد..هكذا غنتها ايقونة لبنان” الساحرة فيروز“،وقد كانت صادقة في قولها!
فيلم علينا ان نفتخر بعروبته ولكونه واحدا من أهم الانتجات السنمائية العربية، وشعب علينا ان نصفق له على عناده وأمله وتشبثه بالحياة رغم ظروف الحرب العصيبة والتي لم يسلم يوما من تداعياتها.
بيروت الغربية حيث تم حصر المسلمين وبيروت الشرقية المخصصة للمسحيين، وبين مصالح الساسة في هذا التقسيم الخطير، أبى الشعب إلا أن تكون بيروت لبنانية ،لا شرقية و لا غربية!
لقد انكوى ذلك الشعب الفريد من نوعه بنار الطائفية التي أبت أن تنطفي، بل تشتعل بواسطة أيادي خفية كلما حاول الشعب إغمادها نهائيا.

مع ذلك، لا ينسى المواطن اللبناني أن يسرق لنفسه لحظات من السعادة رغم الظلام الحالك واقعيا، لعلها أكثر رسالة نجح هذا الفيلم البارز في نقلها إلى المشاهد.
145 دقيقة من المتعة، أحداث حرب اهلية مفتعلة وأزمة اقتصادية خانقة،غير أنك لن تتأثر بها الا بنهاية الفيلم، وهنا تكمن روعته وعبقريته كما أشرت في بداية التدوينة.

يطغى الجمال والفن والأدب و الحب والقناعة والرضا والاخلاص والأمل على كل دماروخراب وفساد وحسابات وأجندات سياسية..كل ذلك بقدرة قادر!
ربماأ نصح قراء هذه التدوينة بمشاهدة الفيلم، حتى يقارنوا بين تاريخ لبنان وواقعها اليوم والذي لم يطرأ عليه أي تغيير..فمهما بدى الحاضر مختلفا، الا أن الأمور لازالت في لبنان كما هي،منذ أيام الإستبداد الفرنسي إلى يومنا هذا..الحرب والماساة تكرران نفسيهما مع تفاصيل صغيرة مغايرة  تم خلقها لقتل النمطية لا غير!
ختاما، في الفيلم ثمة أكثر من مشهد رائع،ولكن المشهد التالي كان أكثرالمشاهد تأثيرا ووقعا علي:
يسأل عمر صديقته المسيحية مي عن رأيها في بيروت وهي التي انتقلت موخرا للعيش فيها، فتجيب: بيروت مجنونة …بيروت مجنونة ..فيعيد وراءها : very crazy ويضحك…
إنها بالفعل كذلك،فوحده الجنون من يستطيع تحمل كل تلك المآسي التي عرفتها ارض الجبال والأرز العنيدة ..

بيروت المجنونة.. بين السينما والواقع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *