بين كورونا وداء السل

عندما تفاجئك كورونا

عانيت الأمرين، لكن لم يقتلني أحدهما، لازال العمر طويلا…
هكذا بدأت، لم أعترف بوجود الفيروس أبدا، كنت أكذب يوما وراء يوم، حتى فوجئت به في الشهر الثاني من الحجر الصحي يطرق نافذتي مبتسما باستفزاز وقائلا: صدقي، فأنا هنا…

صباح أحد أيام السبت من شهر أبريل 2020، في هذا الوقت من كل عام عادة تطلق كذبة تسمى كذبة أبريل، لكن هذه السنة برهنت الكذبة على صحتها وأثبتت وجودها.

استيقظت كالعادة لكنني كنت أشعر بدوار غريب في رأسي، وألم في حلقي حرارة على غير العادة، ما هذا؟ ضحك أهل بيتي ورددوا أني أتوهم الكورونا، فضحكنا جميعا ومر اليوم كاملا، إلى أن أتى المساء، ازدادت حدة الألم في بطني وضاق صدري، لا ضير أنني مصابة بداء السل… هكذا قلت..

نمت حتى الصباح، لكن في اليوم التالي لم أغادر فراشي وطلبت من أمي أن تستدعي خالها الطبيب، كان يوم الأحد، أتى وهو يحمل لوازم طبية قليلة وبعض أدوية الحمى لأن أمي أخبرته بأن حرارتي مرتفعة، لكنه أول ما رأى عيناي، تكلمت تقاسيم وجهه في حين تلعثم لسانه، يا بنيتي اصبري إنها كورونا، يجب أن نذهب للفحص، لكن لن نخبر أحدا… سأقول علينا الذهاب لنطمئن أكثر..

علمت حينها أن الوضع سيتكرر، سأنام وحدي وسأتناول الوجبات وحدي، سأعيش العزلة كما عشتها مع ضيفي السل، إنهما ضيفان شبيهان يحبان الانفراد بك، لهما كبرياء، لا يريدان مشاركتك مع أحد، لكن كورونا لا ضير عندها في جلب العديد من الضحايا،….

فكرت، وفكرت حتى توقف ذهني عن التفكير …
وصلنا للمستشفى وبالضبط لجناح كوفيد 19، منطقة خاصة فاقت خطورتها السرطان اللعين، هنا بدأ قلبي بالخفقان الشديد، كاد يتوقف، وكم تمنيت أن يتوقف قبل أن تدخل تلك الآلة لتنخر أنفي متجهة صوب الحنجرة غير آبهة بألمي، يا الله كيف لي أن أتحمل ألم هذا التحليل؟ كدت أركل الممرضة بقوة الألم، بدون تفكير قلت ألا تشعرين بألمي؟ لكن دون جدوى، ردت.. بهدوء، كورونا لا تلعب….

انتهى التحليل الذي دام سبع دقائق عل الأقل، مرت كالسنة في نظري فلم تكن فيها الثانية كعادتها، ذهبت الممرضة بعينة التحليل، أتى خال أمي بخبر أسوء، ستظلين هنا يومين حتى ظهور النتيجة.

صعقت من الصدمة كأنها نهاية حياتي، لم أتقبل الأمر، فطلبت من خال أمي أن بجد طريقة ليعيدني لبيتي، لايهم سأحجر نفسي لكن لا أرغب في تمضية الحجر في المستشفى، فقد عشت في المستشفى شهورا لن أكررها أبدا…

يتبع…

بين كورونا وداء السل

لطيفة اللحياني

ادرس سنة اولى دكتوراه بكلية علوم التربية بالرباط، وادرس الفلسفة، وعاشقة للغة الاسبانية

تعليق واحد

  1. لقد عانيت داء السل في فترة داء الكورونا، لن أستطيع وصف الإحساس قبل معرفة النتيجة. الحمد لله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *