تدوينة متصدرة

“جو شو”.. نموذجٌ ناجح للكوميديا السوداء عربياً

أطباقٌ سياسية في قالب هزلي، يقدّمها المصري 'يوسف حسين'

كانت ولا زالت السخرية أسلوباً فنّياً صعباً؛ حيث ليس في متناول الجميع تقديم نقد لاذع في قالب من الفكاهة والإمتاع. وقد نالت السخرية نصيبَها في الأدب والمسرح والرسم، لا يقل قيمة وأهمية عن ما نالته من نصيب في مجال الإعلام أيضاً. وسأسَلّط الضوء في هذه التدوينة على الإعلام السياسي السّاخر في العالم العربي وظهوره إبّان وبعد ثوراتِ ربيعه.

فإذا كان لدى البريطانيين برنامج “that was the week that was” الشهير – الذي كان يُبث في ستينيات القرن الماضي على قناة BBC -، ولدى الأمريكان برنامج “Laugh in” -الذي كان يُعرض على قناة NBC- ، ولدى الفرنسيّين برنامج “Les Guignols de l’info” -الذي بقيَ يُعرض على شاشة قناة “+CANAL” إلى حدود نهاية سنة 2018-، فإن لدى الجمهور العربي، من المحيط إلى الخليج، برنامج “جو شو” الذي يعرض على قناة “التلفزيون العربي” و”تلفزيون سوريا” كلّ يوم خميس على الساعة السابعة بتوقيت جرينتش، التاسعة بتوقيت القاهرة والقدس.

“جو شو” نموذجٌ ناجح للإعلام السياسي الساخر، الذي يقدم كوميديا سوداء ترسُم البسمة على وجوهنا  وتغرز الخنجر في قلوبنا؛ فمهما كانت الأجواء ممتعة؛ فذلك لن يُنسينا أن الواقع مرير.. مريرٌ جدّا !

“جو شو” مثال حـيٌّ لإعلام مهني ينقل إلى الشارع همومهم وحالهم، أو كما يقول جمهوره أنه يمثل إعلام الشعوب العربية المكمَّمةِ أفواهُها (بصرف النظر عن بعض الهفوات التي تحدث في بعض الحلقات مُبْعِدِةً إيّـاه عن الحياد)، إذ يقول على لسانه وبورقة تحريره وأمام الكاميرا ما يود ويعجز عن قوله حوالي 362 مواطن عربي في وجه الحكومات المستبدة؛ فهو يستطيع تفريغ مشاعر السخط والغضب التي تملؤُهم بطريقة هزْلية وجرّيئة. 

كما أنه لا يمكن أن نُغفل كيفَ ساهمت بشكل كبير مثلُ هذه البرامج في إثارة النقاش السياسي من جديد لدى الشباب العربي، بعدما سُرقت منه ثورته وانتكسَ حاله وضاعت بوصلته بين الانقلابات والتحالفات وتجمدت رغبته في التغيير والتعبير. مثل هذه البرامج هي التي أعادته إلى الواجهة متفرجا ساخرا، متتبعا وفيا، متأثراً دوما ومتفاعلا مع الأحداث أحيانا. وهكذا بقيت الصلة قائمة بالساحة السياسية والنافذة مفتوحة على المستجدات الدولية والعربية، والرؤية في وضوح مستمر  على تاريخ السياسة وخطر تزوير السياسيين للتاريخ. 

في “جو شو” تسمع ما لا تنطق به أبواق الإعلام الرسمي المُغَيَّبِ ضميرُه، ويتم تبسيط تلك المفاهيم التي تعقدها المنابر الاعلامية الهزيلة. 

فـي “جو شو” يفهم العقل العربي بمختلف اهتماماته الثقافية وتوجهاته السياسية وفئاته العمرية مسار وحقيقة أعقد وأهم قضايا الأمة: عاصفة الحزم، طائفية لبنان والعراق، صراع المصالح الأجنبية في سوريا، التنمية والديمقراطية المتذبذبة في المغرب، أخطبوط حكم الجنرالات بالجزائر، إعلام التضليل والتهليل والتطبيل بكل من السعودية ومصر، عودة القذافي في “حُلّة حَفترية” في ليبيا، صراع الغاز في بحر المتوسط، آمال العرب في تونس الديمقراطية… وغيرها من المواضيع الجِدّية التي تُقدّمَ في طبق كوميدي قريب من العقل والقلب. 

مع “جو شو” ستفهم خريطة العالم العربي وتغيُّراتها، ستستوعب كيف تُدار اللعبة السياسية بين القادة وضدّ الشعوب. 

مع “جو شو”، تجسّدت لدى المشاهد بشكل أوضح مقولة الملاكم العالمي محمد علي كلاي: “المسرح والسياسة اسمان لمسمّى واحد“، وهذا ما اكتشفناه مع كل حلقة من حلقات هذا البرنامج خلال المواسم الأربعة؛ يتبادلون الأدوار بين مُدَّعٍ للديمقراطية ومدافع عنها، وبين من يمثل على شعبه ومن يمثل من أجل شعبه؛ وعنوان كل  المسرحيات السياسية مشترك: المصلحة.

وكي نكون منصفين، “جو شو” ليس الأول من نوعه عربيا وليس الوحيد أيضا، إذ توجد برامج أخرى وازنة (فوق السلطة، برنامج ‘البرنامج‘…) غير أن “جو شو” يعتبر الأشهر من جنسه لدى الشباب خاصة. ولعل الجانب الجميل في الموضوع هو أن مسيرة الإعلامي “يوسف حسين” مقدم البرنامج هو في الحقيقة مسار محفز لأي صانع محتوى مفيد ومختلف على منصة يوتوب، إذ أن بداياته كانت على هذه المنصة ولكنه سرعان ما استطاع كسب قاعدة جماهيرية محليا وعربيا، فتحت له المجال ليكون النجم الأول على قناة التلفزيون العربي، وها هو الآن يهتف باسم برنامجه مُتتبِّعوه حول العالم في فيديو يتم عرضه عند بداية كل حلقة، فيقولون جملته الشهيرة: أهلا بكم في “جو شو” على التلفزيون العربي…

كلنا نعلم أن الإعلام هو السلطة الرابعة والتي للأسف لم تحقق بعد استقلالها حتى تبدع في محتوى برامجها وتقدم شيئا يحترم عقل المشاهد العربي، وفي غياب ذلك نلجأ إلى الإعلام البديل. 

وفاء أبجمة

ختاماً؛ “جو شو” جعل من  أمسية الخميس لمتابعيه أمسية خاصة تكاد تكون متنفسًا أسبوعياً لكل منزل عربي يبحث عن الحقيقة والحرية بسخرية أو بجدية، ولعلّي أتمنى أن أجد في منصّاتنا ومنابرنا برامج هادفة ومختلفة في شتى الميادين والمجالات، تدفعني إلى أن أخصص لها وقتا من برنامجي اليومي، وبذلك تصبح أمسيات أيام الأسبوع كلها ذات نكهة خاصة شبيهة بخميس “جو شو”.

للتدوين معنا على مدونة زوايا .. تفضَّلوا بالاطّلاع على شروط النشر
مع تحايا فريق زوايـا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *