“رحلة رفقة جايا” الجزء الأول

السفر عبر الزمن

بالطبع وكما هو معلوم، السفر في هذه الظروف شبه مستحيل هذا إن لم نقل أن مستحيل أصلا، لكن هذا القانون ينطبق على السفر التقليدي العادي المتعارف عليه! ماذا عن السفر عبر الزمن؟ لا وجود لقانون أو أي تشريع يجرم السفر عبر الزمن ويعاقب عليه على حد علمي. وكما هو متوقع فالأغلبية سئمت الوضع! حسنا دعني أخبرك شيئا، سأصطحبك معي اليوم في رحلة بغية تلطيف الجو قليلا والخروج عن الروتين لكن احذر أن تخبر أحدا.

رحلتنا العظيمة تبدأ في وقت يسبق زمن غمر العالم بالجليد حيث كان أسلافنا يتجمعون حول النار للدفء، كان العالم وقتذاك في سلام، الكرة الأرضية الكبرى “جايا” تنظم نفسها ذاتيا، وتنحو إلى نزعة أموية، وهي تندفع حول شمسها خلال السماء. لم يكن لأسلافنا أدنى تأثير في هذه الكرة المتحركة. لهذه الكرة غشاء رفيع من الجو، ما يوازي طبقة الجيلي الواقية التي تحيط بالبويضة البشرية، ويحافظ هذا الجو على أن تبقى الغازات الحيوية بالنسب الصحيحة لوجود الحياة في البحار وفوق الأرض، تماما كما ظل يفعل لمئات الملايين من السنين. منذ ثلاثة ملايين سنة أو ما يقرب، بدأ أسلافنا يشكلون الأدوات من الحجارة التي تقبع في مجری الأنهار، ولكن هذا التطور لم يؤد إلى تأثير عظيم.

كان عدد البشر الأقدمين قليلا جدا وبينهم مسافات بعيدة، ثم أخذوا يتوسعون تدريجيا بخطى صغيرة ليخرجوا من موطنهم في أفريقيا إلى باقي العالم الجاف، وهم لا يزالون في أعداد صغيرة ولا يزالون بأقل تأثير في توازن جايا العظمى. منذ مائة وخمسين ألف سنة خرج البشر من نوعنا نحن “الهومو سابينز” مرة أخرى من أفريقيا، ليحلوا تدريجيا محل أولاد عمومتهم “الهومو نياندر تالنسيس” (Homoneaderthalensis) و “الهومو إريكتوس” (Himo eretus) في أوروبا وفي آسيا. حتى هذا لم يؤدي لاستيقاظ إلهة الأرض النائمة، التي كانت أنفاسها تنطلق برفق في النسيم كما كانت تفعل دائما. لم يكن هؤلاء بالنسبة لها إلا مجرد نوع من حيوان بين حيوانات أخرى كثيرة، نوع يوسع ببطء من مجاله. إلا أنه ولا ريب يعد من الأنواع غير المعتادة ، فأعضاء هذا النوع لديهم القدرة على أن يتواصلوا أحدهم مع الآخر بطرائق لم تمر بها جایا قبل ذلك. ولكنهم فيما عدا ذلك غير ملحوظين وغير شائعين في أي مكان.

أغمضت الإلهة العظيمة عينيها وعادت لتستغرق في النوم، حدث تغير ضئيل في مدار الأرض أدى إلى برودة بشرتها واستيقظت لترى المثلجات تنزل من الجبال المرتفعة والجليد ينتشر من كلا القطبين عبر بحر متجمد. كان البشر الجدد لا يزالون هناك، حتى في أبرد المناطق، الأمر الذي اعتقدت الإلهة أنه مثير للإعجاب، وإن كانوا مازالوا غير ملحوظين. ارتعشت الإلهة قليلا وعادت تستغرق في نومها. كانت تعرف أن العصر الجليدي سوف يمر دون حاجة لأي تدخل، لقد رأت هذا يحدث مرات كثيرة من قبل. سوف تنام حتى ينتهي ذلك العصر، وتستيقظ ثانية كما تفعل عادة بعد مائة ألف سنة أخرى. هذا الزمن عندها يقرب من زمن الغد عندنا.
ظلت جايا في سباتها العشرين ألف سنة ثم استيقظت مجفلة وهي تمسك بحلقها، وتسعل بينما تدور من حولها غازات موجعة. ظنت أن هنالك المزيد من البراكين وذلك قبل أن تصفو عيناها وتتمكن من تركيز نظراتها. إلا أنه لم تكن هنالك حرارة لافحة تلسع جلدها، فهذه هي العلامات المعتادة للتفجرات البركانية الكبيرة. بدا أولا وكأن العالم كما كان عليه دائما. تراجع الثلج إلى القلنسوتين القطبيتين، وانتقلت المثلجات لتعود عاليا في الجبال المرتفعة وغدا البحر أزرقا وقد تحرر أغلبه من الجليد، وفكرت جايا لنفسها، هكذا إذن انتهي عصر الجليد.

الصحاري لا تزال تقريبا حيث كانت من قبل، والغابات الخضراء في الأماكن نفسها غالبا. ما الذي يمكن أن يكون سبب إيقاظها؟ وزادت من تدقيق نظرتها. عندما نظرت للأسفل رأت أن هناك رقعا عديدة بلون رمادي ولون بني قد ظهرت حول خطوط سواحلها وبطول الأنهار التي تنزح المياه من قراراتها. تمتلئ هذه الرقع بالكامل بالبشر، أولئك المخلوقات الغريبة التي کانت جايا معجبة بها في هدوء في الأمسية السابقة، كان هناك الملايين منهم. الرقع مقسمة إلى مربعات ضئيلة مع وجود طبقة فوق طبقة مما يبدو كحجارة رمادية و بنية تخترقها ثقوب مربعة مغطاة بشئ شفاف يعكس الشمس. يوجد مزيد من البشر في الداخل يحتشدون معا جالسين فوق تكوينات خشبية أو يسيرون جيئة وذهابا. مع دوران الكرة العظمى وحلول الظلام على خلايا النحل البشرية هذه، إذ بها تضاء نقط دقيقة من ضوء برتقالي وضوء أبيض !؟ ثم ظهرت کائنات جديدة، لا تشبه أيا مما رأته الإلهة من قبل، کائنات تخرج من ثقوب في الأرض أو تتحرك مبتعدة من أماكن كانت تنتظر فيها غير ملحوظة…

يتبع في الجزء القادم…


جايا: من شخصيات الميثولوجيا الإغريقية، وهي الأم الأرض. و تطابق في الميثولوجيا الرومانية الإلهة ترا (Terra).

رحلة رفقة جايا الجزء 1 السفر عبر الزمن

علي الفيلالي

تلميذ علوم تكنولوجيا كهربائية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *