سؤال يتيم

بين مطرقة البؤس وسندان الأسى

انكباب حروفنا في سراديب الأحزان والقرح ليس لنحضكم على أن تشفقوا وترثوا حالنا وتدمع مآقيكم علينا… إنما فيض من إيثار أساريرنا لنطلعكم على ظلمة أكواننا وعتمة نجومنا وخفوت وهجها… حتى لو اقترفنا خطأ تقمص السعادة فواقعنا حجر الحلم فينا وأضاف الأسود لأوان سماواتنا الفسيحة الفاردة أجنحهتا يمنة ويسرة دون نبض…

كيف لي أن أتناسى نظرة الصغير الجامحة بعد أن سألني عن أمه العليلة، فلم أنبس ببنت شفة رغم محاولاتي الفاشلة للنطق… لكنني كنت وفي كل مرة أتلعثم وأنظر للأرض خجلا من أكاذيبي البذيئة، والغصة تمنع الريق في حلقي من المرور… ثم وبعد ثوان عجاف استرسلت في القول: “يا عصفوري، إنها رحلت لمكان ستكون فيه أكثر بهجة وأمانا… ستدعو لك باعتلاء المراتب العلى لتجعلها على هودج الغبطة تتمختر فرحة بصغيرها، فلا تحبط أملها فيك يا طيري…”.

كنت على يقين تام أنني لم أقنع ولم أقتنع بما فهت به؛. رفعت رأسي في وجهه أخيرا….أما عن مقلتيه الناشزتين في، فقد كانتا تنبسان باللوم وبإسقاط الذنب على كاهل الجميع. كانت عيناه تبرقان كذاك البريق الذي نلمحه في السراب. السراب الذي كلما اقتربنا منه ابتعد أكثر فأكثر… وكأنه يحاول أن يقول: “لا تحاولوا الغوص في أحشائي الممزقة، فلن تستوعبوا شيئا. لا تبدوا لي الشفقة والتغني على أطلالي! فكل ذلك زيف سينقشع حينما تملون من هروبي المتكرر، من وحدتي، من عزلتي المفرطة ”

لم يقل ڤان گوخ : “لن ينتهي البؤس أبدا” إلا وهو مدرك تمام الإدراك أن الأرض فقدت روحها ولم تعد تلك الأم الحنونة التي ألفناها… فقد خاب ظنها بولدها، وتلطخت بدماء أحفادها… إذ لازلت تحمل بين كفيها عارا لم تقترفه.
أعتذر منك أيتها “السعادة” فالنفاق والتكالب بات صفتك الأسمى، مهما حاولت فلن تطمري حقيقة الظلام الدامس… ولو بدوت كالفجر المنبلج، فستغرقين في مستنقع دماء الضعفاء الذين أنهيت آخر قطرة أمل فيهم، ومن ثمة سيصبح اسمك الحقيقي عكس معناك.
أخيرا، “أشفقوا، أو لا تشفقوا، فسيظل حبرنا يخط حروفا تفشي سر المشاعر المطموسة في أرواح البؤساء“.

سؤال يتيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *