سفينة الأماني

الدوافع الكامنة خلف الرغبة في الهجرة

“تترك وطنك فقط حين ﻻ يترك لك الوطن مجاﻻً للبقاء“، لعلها من أبلغ العبارات التي نطقت بها الكاتبة أحلام مستغانمي والتي تلامس الوجدان، و تداعب أوتار الروح التي استأصلت جذورها عن الوطن، فتؤجج الإحساس بالغربة ليترجم إلى غصة بالحلق تذكر المرء بين الفينة والأخرى بوطنه حيث دفء عائلته، حضن والدته، إبتسامة والده،و خفة دم جدته، من يجعله يضحي بكل هاته الأشياء الثمينة ويخرس صوت قلبه ليضمحل بين سراب موطن آخر؟
فهل حقا يجبرنا الوطن أحيانا على الانسلاخ عنه ؟ وإن فعل فما هي العلل الكامنة وراءه؟
الهجرة، مصطلح طاف على مختلف المجالات واستأثر رواده وجهابذته، ولكن أغلبهم متفقون على التعريف الكلاسيكي كونه انتقال الفرد من مكان إلى آخر قصد الاستقرار به.
وبغض النظر عن نوع الهجرة (شرعية، غير شرعية، داخلية، خارجية، معاكسة…)،فمردها يكون لأسباب تصب في نفس الجانب، يمكن تصنيفها كالآتي:
الهجرة ذات منظور اقتصادي المتجسدة في البحث عن مصدر مادي لسد رمقه وتحسين معيشته رغبة في التفوق وبناء أولى لبنات حياة مستقرة، والفرار من شبح البطالة الذي يطارده بوطنه الأم، سواء نتيجة لعدم ملاءمة شواهده لسوق الشغل أو العروض المغرية للدول المستقبلة وهنا يتولد ما يعرف بهجرة الأدمغة التي تجرد البلدان من طاقاتها بعد تكوينها.
أوهجرة ذات طابع سياسي،بعد وابل الحروب الذي تسبب في زعزعة امن الإستقرار السياسي ،الذي أمطر بعدد من البلدان -خاصة العربية منها -، ناهيك عن اضطهاد الأقليات، فطوق النجاة بالنسبة للفرد هو أن يجر أذيال الخيبة والرضوخ لهذا القدر المحتوم، مدبرا إلى حيث يقبع الأمن، سواء فيما بات يعرف باللجوء السياسي وغيره… دون أن ننسى بأن ضعف الحكامة والأنظمة والفساد السياسي يحول عائقا أمام إستقرار البلاد.
وهناك ما يعزى لأسباب ذات مسحة طبيعية كالكوارث الطبيعية بالدول خاصة تلك التي لا تستطيع مجابهتها على غرار الزلازل والبراكين،والعواصف أوالأمراض والمجاعات التي تردي سنويا مئات الوفيات وهذا ما قد يجبر العديد الى الإستنجاد بقوارب الموت وغيرها….
إن هاته الأسباب ماهي إلى شذرات من عدد لا يحصى من العلل التي تدفع بالمرء إلى الإدبار عن موطنه، لكن ما إن يطأ الأرض التي لطالما علق أحلامه على ضفافها، حتى يصطدم بواقع يضرب في بعض الأحيان أحلامه بعرض الحائط ،وأول حاجز هو إختلاف العادات، الثقافة والمثل حتى يجد نفسه منبوذا وعلى الهامش وحتى إن استطاع أن يندمج قد يتولد له عائق آخر من قبيل عدم إتقانه للغة، أوعدم الإعتراف بشواهده،أوالعنصرية وغيرها…
لكن المشاكل لا تظل حبيسة الفرد بل تتعداه إلى التأثير سواء بطريقة إيجابية أو سلبية على البلدين ،سواء البلد الأصلي أوبلد المهجر،فأما الأول وبعد تكوينه للأطر يجرد من خدماتها وفي بعض الأحيان يكتفي فقط بالتغني بأنه الأرض التي نبتت بها جذور هذا الشخص عندما يسطع نجمه بالبلد المستقبل وبعدما يتقلد مناصب عليا، أما البلد المستقبل فقد  يصبح الفرد ثقلا عليه خاصة المهاجرين غير الشرعيين، لكن سرعان ما يتخطى هاته الأزمة مستفيدا منهم لكونهم ورقة رابحة سواء باستغلالهم كيد عاملة لا تستطيع التذمر،لأن هدفها هوالبقاء بهاته الأرض مهما كلفها الثمن.
والجدير بالذكر أن الهجرة لم تكن يوما حبيسة الضعف والوهن بل كانت من ذي قبل رمزا من رموز القوة والجسارة وهنا نستحضر الهجرة النبوية التي كانت من رموز القدسية والبسالة وإقرار الهوية العربية، فحتى الآن هناك من يراها مصباح علاء الدين المسؤول عن تفوقه على غرار ثلة من الأعلام الذي بصموا على تفوقهم وعلو كعبهم كالدكتور الراحل إبراهيم الفقي عند هجرته الى كندا بالرغم من المشاكل التي أتثت مساره.
مسألة الهجرة متشعبة لا يمكن الحسم فيها لكن المؤكد أن الإنسان لو وجد موطنه أرضا خصبة لتحقيق أهدافه ما كان ليغادره البتة كما جاء على لسان غادة السمان:
أعرف أن المراكب في المرفأ تشكو الضجر، ولكن المراكب المبحرة تشكو الغربة وتشهد أن موسم الهجرة إلى الوطن قد حان.

سفينة الأماني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *