سليمان العظيم وسليمان الحلبي وأسطورة الجزائر الحية

  سليمان العظيم
هو سلطان البحر الأبيض والبحر الأسود والبحر الأحمر والأناضول والروملي وقرمان الروم، وولاية ذي القدرية وديار بكر وكردستان وأذربيجان والعجم والشام ومصر ومكة والمدينة والقدس وجميع ديار العرب والعجم وبلاد المجر والقيصر وبلاد أخرى كثيرة افتتحتها يده بسيف الظفر…
إنه سليمان القانوني أو سليمان العظيم، بن السلطان سليم بن السلطان بايزيد، واحد من العظماء الذين عملت الدراما التلفزيونية على تشويه صورتهم. فهو لم يكن زير نساء غارق في الملذات الدنيوية، بل كان زير مجد وعزة وكان بالفعل غارقا ولكن في البطولات والانجازات.
تسلم القانوني مقاليد الحكم في الخامسة والعشرين من عمره، وماهي إلا أشهر قليلة حتى تحول إلى أعظم ملك على وجه الأرض في ذلك الزمان. فقد توسل إليه ملك فرنسا فرنسيس الأول لكي ينقذه من الإسبان الذين احتلوا بلاده، فأرسل الخليفة سليمان قوات التدخل العثماني بقيادة البطل خير الدين بربروسا، فحرروا مدينة “نيس” وجزيرة “كورسيكا” وأخذوا في المقابل مدينة “طولون” لتصبح قاعدة إسلامية في الأراضي الفرنسية؛ نعم في مدينة طولون رُفع علم الخلافة الإسلامية ورُفع الآذان. ويكفيك أن تعلم أيها القارئ العزيز أن الخليفة سليمان كان يتدخل في القوانين الفرنسية، فقد سبق و حذر الفرنسيين من تطوير نوع غريب من الرقص، وتم حصره فعلا.
في زمن خلافة سليمان القانوني تم إنهاء إرهاب قراصنة القديس يوحنا، فحرر جزيرة “رودس” من سيطرتهم، والتي كانت مقرا لهم لشن الهجمات على سفن المسلمين في البحر المتوسط.
وبعد رودس، حرر باقي المدن في شمال إفريقيا، تونس والجزائر وليبيا، دافع عن الخليج العربي وحَصَّن الأراضي المقدسة، استجاب لرسائل الاستغاثة من مسلمي الهند الذين هاجمهم الصليبيون البرتغاليون وناصر مسلمي إقليم “إتشيه” الإندونيسي. 
امتداد شَرَفي للخلافة الإسلامية العثمانية غرب أوروبا، شرق آسيا وشمال إفريقيا.
كل ما ذكرناه ليس إلا جزْءا بسيطا من إنجازاته الكبيرة، ولكم الإنجاز الأبرز:
إنها معركة “موهاكس” الخالدة، والتي استخدم القانوني فيها تكتيكا عسكريا نادرا يسمى “تكتيك الكماشة “(شرح هذا التكتيك سيكون لاحقا)، حيث فتح مدينة “بلغراد” الحصينة وهي عاصمة صربيا اليوم، والتي كانت تابعة لمملكة المجر، وأهمية هذه المدينة تكمن في أنها كانت بمثابة الحصن الأخير للمسيحية في شرق أوروبا.
لقد رُفع الاذان على قلعة بلغراد الشهيرة وتلقى الخليفة سليمان تهاني عيد الفطر هناك، وبعدها توجه شمالا نحو عاصمة المجر “بوذا”، وهناك تكوَّن أكبر حلف عسكري شمَل الإمبراطورية الرومانية المقدسة وممالك المجر وبوهيميا وكرواتيا وبولندا وإمارة بافاريا الألمانية وغيرها، كل هذه الممالك والإمارات سُحقت في معركة “موهاكس” الشهيرة، والتي لم تستغرق أكثر من ساعة ونصفٍ فقط، أي ما يعادل زمن مباراة لكرة القدم.
ولا زال المجَرِيون إلى يومنا هذا يتفكرون هزيمتهم النكراء في موهاكس، حتى أصبح عندهم مثل يقول :أسوأ من هزيمتنا في موهاكس.
سليمان الذي تلقى تهاني عيد الفطر ب”بلغراد “، تلقى تهاني عيد الأضحى في” بوذا”.
أظن أنني تجاوزت المساحة المخصصة لكل بطل، ومع ذلك لا زال هنالك الكثير ليُروى عنه، و يمكنكم لاحقا أن تقرؤوا المزيد عنه، ستجدونه عظيما في العسكر وفي الشعر وفي الأدب وفي العمارة، وسأكتفي بإضافة معلومة واحدة عنه :لقد خط القرآن بيده 8 مرات!
  سليمان الحلبي
في متحف الإنسان في باريس يحتفظ الفرنسيون بجمجمة سليمان الحلبي، رجل الشام، الشام التي هي عقر دار المؤمنين كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم. 
بطلنا الحالي ضحى بزهرة شبابه في سبيل الإسلام الذي أرادوا دحضه في أرض الكنانة، مصر التي تعرضت للحملة الصليبية الفرنسية على يد نابليون، فاقتحموا الأزهر وداست خيولهم كتاب الله ونُصبت المدافع على جبل المقطم وهُدمت المساجد على مصليها؛ ورغم مقاومة رجال الأزهر غير أن الفرنسيين استطاعوا اقتحام البيوت، وبعد أن اعتقد نابيلون أنه وأد الانتفاضة المصرية رجع إلى فرنسا، وترك القيادة ل”كليبر” القائد العام للقوات الصليبية. 
في مصر التحمت قوى الصعيد والسواحل ومجاهدي الحجاز ومقاتلي الأتراك وطلاب المغرب العربي وطلاب الشام بالأزهر؛ ومن بين هؤلاء الطلبة، كان هنالك شاب من حلب والذي نفذ عملية فدائية نوعية، حيث استطاع غرس خنجر غزاوي الصنع في قلب القائد كليبر. 
وبعد أن ألقوْا القبض عليه وعلى زملائه أحرقوا يده حتى ظهر عظم يده وقتلوه بطريقة وحشية وتركوه مصلوبا وبعد ذلك قاموا بنزع جمجمته التي لا زالوا يحتفظون بها كما ذكرت في متحف الإنسان، وتحتها كتبوا بالفرنسية “Criminel” أي مجرم. 
المهم أيها القارئ العزيز، عند زيارتك لباريس لا تنسى زيارة متحف الإنسان ولا تنسى إلتقاط سلفي تذكاري مع جمجمة البطل سليمان الحلبي طالب العلم الذي انتقم لأستاذه الشيخ الأزهري المجاهد (الشرقاوي) الذي قتلوه ولكتاب الله المقدس الذي مزقوه. 
  أسطورة الجزائر الحيّة
قبل الحديث عن بطلنا الثالث، أوَد سرد القليل عن تاريخ أرض الجزائر العظيمة، الجزائر التي تعرضت للغزو الفرنسي لأنها كانت أقوى قوة بحرية في العالم كله في ظل الخلافة العثمانية، ويكفيك أن تعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تدفع جزيةً للأسطول العثماني الذي كان مقره الجزائر في نهاية القرن الثامن عشر تُقدر ب 642 ألف دولار ذهبي و1200 ليرة عثمانية، علاوة على دول أخرى مثل بريطانيا والسويد والبرتغال وفرنسا، كل هذه الدول كانت تدفع للخزانة الجزائرية طامعة في حمايتها بحريا. 
وعلى مدار ثلاثة قرون من سيطرة الأسطول الجزائري العثماني على البحر الأبيض المتوسط، انتظرت هذه الدول الفرصة للانتقام من المسلمين، والتي تَسَنَّت لهم في عام 1827 م، حين دُمِّر الأسطول الجزائري العثماني واحتلت فرنسا الجزائر. 
ومن بين رُكام جرائم الفرنسيين في الجزائر، خرج عظيمنا العملاق الأمير عبد القادر الجزائري ليقود حركة الجهاد الإسلامي و يُذيق الفرنسيين طعم الهزيمة في معركة المقطع المعروفة، وهو الذي كان عمره حينها لا يتعدى 26 سنة!
لقد كان عبقريا وفريدا من نوعه، فهو الذي ابتكر نظاما جديدا، ألا وهو نظام العاصمة المتنقلة، فكان يتنقل بعاصمته من مكان إلى آخر، الأمر الذي أربك الفرنسيين لسنوات طويلة لاقَوْا خلالها الهزائم تلو الهزائم دون التمكن من الهجوم على مجاهدي الجزائر في مكان محدد. 
إنه جزء من قصة بطل من أبطال الجزائر الذي حمل في وجدانه كل معاني الشهامة والمروءة. 
يُتبع…