“سيف الله المسلول”، “أمين الأمة” والغلام “المجهول”

  سيف الله المسلول 
إنه، باختصار، “القائد الأعلى” (بلغة عصرنا هذا)، لقوات المسلمين التي صدَّتْ “إمبراطورية فارس” على الجناح الشرقي، وكافحت ضد “إمبراطورية الروم” على الجناح الغربي؛ إنه ليس سوى “سيف الله المسلول” حسب وصفلا خالد ابن الوليد؛ قائد معركة “اليرموك” ومعركة “اليمامة” و”معركة ذات السلاسل” و”معركة مؤتة”، وكلها معارك خالدة باسلة تاريخية انتصر فيها بطلنا الخالد اسماً وصفة. وقد لُقّب خالد بن الوليد بـ”الوحيد”؛ لأن مكة بأسرها كانت تكسو الكعبة عاماً ويكسوها الوليد في العام التالي وحده! 
يصعُب على المرء أن يكتب على سيرة عظيمٍ بهذا الثقل، ويبقى أهم الأمور التي يجب معرفتها على القائد خالد بن الوليد، أنه كان محترفاً للقتال قبل إسلامه، وأنه كان سبباً مباشراً من أهم أسباب هزيمة المسلمين في “أحُد”، بل إنه أراد قتل الرسول، صلى الله عليه وسلم، شخصياً عند الحديبية. 
لم يعرف التاريخ قائداً عسكرياً مُحَنّكاً في التخطيط العسكري والقيادة الحربية مثل خالد بن الوليد، الذي خاض معارك ومعارك ولم يهزم أبدا بأية معركة، لا قبل الإسلام ولا بعده. 
يسجل التاريخ للبطل خالد أنه هو صاحب الخطة العسكرية العجيبة “تكتيك الكماشة” أو “الضربة المُزدَوَجة”، التي أشرنا إليها عند حديثنا معركة “موهاكس” في عهد سليمان القانوني. 
وتكتيك الكماشة هذا هو عبارة عن مناورة عسكرية يقوم فيها الطرف المدافع بمهاجمة جناحي الطرف المهاجم، في الوقت ذاته الذي يهاجم فيه المهاجمون قلب الجيش المدافع، والذي بدوره يتراجع بانتظام حتى يتمكّن جناحاه من تطويق المهاجمين، وتنتهي المعركة بالاستسلام أو تدمير القوة المحاصرة. ويمكنُ العودة إلى الكتاب، للقراءة عن الخطة الخالدية التي تُدرس حاليا في الجامعات الحربية، والتي حقق بها انتصارا في معركة “مؤتة” ب 3 آلاف مجاهد أمام 200ألف مقاتل من الروم. العجيب في الأمر أن عدد الشهداء في صفوف المسلمين لن يتعدى 12 شهيدا. 
ولقد اشتبك مع الفُرس في 15 معركة كلها انتصارات، ولعل إمبراطورية الفرس التي صمدت في وجه الروم لمئات السنين سقطت في سنة واحدة على يد المسلمين. 
إن الحديث عن خالد بن الوليد يلزمه مؤلَّف كامل بحدّ ذاته؛ لأنها سيرة ذاتية لأعظم قائد أعلى للقوات المسلحة في التاريخ. 
  أمين الأمة 
ومن “سيف الله المسلول” إلى “أمين الأمة”، أبو عبيدة الجرّاح، وقصة هذا البطل مع أهله تجسيدٌ فعليّ للآية 22 من سورة المجادلة، إذ قال الله تعالى: “لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يُوادّون من حادَّ الله ورسوله ولو كانوا آبائهم وآبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب الله في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله و ضوا عنه أولئك جزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون”. 
لقد حاول أبوعبيدة الجراح تفادي أيّ عراك مع أبيه وتجنّبَ مقاتلته، لكن أباه كان يتبعه في أي مكان ويريد مقاتلته، لقد قتل أبو عبيدة أباه، أو لنقل إنه قتل الكفر الذي في قلبه، و نصر الإسلام أكثر من أي شيء آخر. 
ولَعَلّني سأذكّركم ببَطلِنا طلحة بن عبد الله، حامي الرسول صلى الله عليه وسلم في معركة أحُد، لقد كان هنالك بطل ثاني يدافع عن الرسول وهو بطلنا أبو عبيدة الجراح. 
و في معركة اليرموك كان أبو عبيد قائدا أعلى للقوات الإسلامية المجاهدة خليفة للقائد خالد بن الوليد، والتي انتصر المسلمون تحت إمرته على نصف مليون من الروم. 
لقد مات أبو عبيدة الجراح، بعد أن انتشر الطاعون في جسده، جسد بطل من الابطال و رجل حمل راية الاسلام بشرف وقوة وتضحية. 
  الغلام المجهول! 
لا شك أننا سمعنا باسم عمر بن الخطاب وهارون الرشيد وصلاح الدين الأيوبي وغيرهم من العظماء، لكننا لم نسمع عن العظماء المجهولين في الإسلام، ولعل بطلنا الثالث لهذا اليوم، هو البطل العظيم المجهول في أمتنا لكنه مشهورٌ عند ربه؛ وهو غلام دون العشرين من عمره، وبطولته كانت في معركة “اليرموك” حينما خرج فارس ضخم من جيش الروم يطلب المبارزة، فخرج هذا الغلام من صفوف المسلمين وطلب من أبي عبيدة أن يتركه يبارز الفارس الروماني. وقال له: “يا أبا عبيدة، إني عازم على الشهادة، فهل توصيني بشيء أقوله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟”، فردّ عليه أبو عبيدة بن الجراح :”أقرِأْ رسول الله مني ومن المسلمين السلام و قل له يا رسول الله… جزاك الله عنا خيرا، وإنا قد وجدنا ما وَعَدَنا ربنا حقّاً”. 
لقد انطلق الغلام نحو الفارس العملاق وقاتله وقتَلَه، ثم أخذ سلاحه وسلّمه للمسلمين، وعاد إلى جيش الروم يسألهم، “هل من مبارِز؟”