طاعون الأمس، كورونا اليوم

قصة واقعية لطاعون وهران الجزائرية

في ظل اجتياح كورونا للعالم، تذكرت روايةً قد أوصاني بها صديق منذ فترة ألاَ وهي رواية “الطاعون” للكاتب الفرنسي ‘ألبير كامو’ والتي تدور أحداثها حول مدينة وهران الجزائرية، تفشى فيها الوباء بشكل هستيري فما كان من السلطات إلا محاصرة المدينة لضمان عدم انتشاره؛ يأخذنا كامو في رحلة قاسية لسبر أغوار النفس البشرية التي تصارع للبقاء على قيد الحياة، مُنهيا روايته بعودة المدينة لسابق عهدها ومقدما نفسه كوجودي متفائل باعث للأمل.
جعَل كامو في روايته -قيد التحليل- الطبقاتِ الاجتماعيةَ سواسية، فلا فرق بين بورجوازي وبروليتاري ومابين ملحد ومؤمن إلا بالمناعة، فالجميع في بوثقة واحدة خائفون من المصير المحتوم، ويرينا البير كيف حوَّل الوباء المدينة إلى سجن وجعل البشر كالسجناء المحكوم عليهم بالإعدام، فقط لا يعلمون متى سينفذ الحكم.
تُروَى هذا الرواية على لسان الطبيب ريو الذي عالج الآلاف من المرضى والمصابين واستطاع منازلة الطاعون فلم يقتله لكن هزمه نفسيا في نهاية الرواية، وعلى مشارف وداع الطاعون بعدما فقد صديقه تارو وزوجته التي سافرت إلى خارج المدينة لتَلَقي العلاج لمرض لا نعرفه.
ورغم جرعة الألم المقدمة لنا في هذه الرواية، فقد أمتعنا الكاتب من جهة بالحوارات بين الطبيب والصحفي الباريسي رامبير الذي أُجبِر على المكوث في وهران بعد ماحاول الفرار منها مرارا وتكرار لكن محاولاته باءت بالفشل بسبب الحكومة، ومن جهة أخرى بخطابات الأب بينلو الدينية الذي شدد في بداية الأمر على أن الجائحة غضب وعقاب إلهي -هذا ما يقر به رجال الدين في يومنا هذا- أما في نهاية الرواية فنراه مسرورا مبشرا الناس مخبرا لهم أن الوباء هو ابتلاء من الرب لاختبار صبرهم على فقدان أحبائهم. في الوقت ذاته، يبذل الأطباء قصارى جهدهم لإيجاد اللقاح بكل ما أوتوا من علم ومعرفة للقضاء على الطاعون، وهنا يُبرِز كامو أهمية العلم في حياة البشرية بالرغم من اعتراض بعض مشايخة الدين على هذا ودعوتهم الناس إلى الاكتفاء بالدعاء وخروجهم للتهليل والتكبير كما حدث في بعض المدن المغربية مؤخرا.


*إن عادة اليأس أسوأ من اليأس نفسه*


ما يسعنا في الأخير إلا انتظار العلم لإنتاج مصل مضاد لفيروس كورونا المستَجَد، متشبتين بالتفاؤل آملين أن تكون نهاية حربنا مع كورونا كنهاية الطاعون في وهران.

راوية بن عبد الوهاب

طالبة مهتمة بمجال الأدب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *