طلاق بائن للأسمر الفاتن

تهانينا..لم أعد مدمنة!!

لقد مرت سنة كاملة عن آخر مرة ارتشفت فيها مشروب كوكا كولا المنعش ذي المذاق الذي لا يقاوم !

إن الخامس من شتنبر لسنة 2019 يوم ذو قيمة رمزية عندي تضاهي مكانة تاريخ ميلادي، فهو اليوم الذي قررت فيه أن أقلع عن إدماني.. نعم لقد كان إدمانا لا يقل شدة ولا خطورة عن إدمان أي نوع من المخدرات؛ فالمشروب يحتوي على أوراق الكولا الذي يصنع منها الكوكايين.

إنها الكوكاكولا، المشروب الأكثر استهلاكا في العالم بمعدل 1.9 مليار قنينة في اليوم، إنه المشروب الذي وحد رغبات سكان الأرض بعدما فرقتها باقي الانتماءات، إنها كوكاكولا ثاني أكثر كلمة مفهومة في العالم بعد كلمة “أوكي”، إنه المشروب الذي أعطى للشركة القيمة التجارية الأكبر في العالم، رغم أنها تنتج ما يفوق 300 مشروب !

حقيقة، أنا لم أتخذ هذا القرار خوفا من أضرار المشروب الصحية ولا لأنه بات عبئا على ميزانيتي، ليس للأمر علاقة بذلك!! فأنا قررت ما قررته لأن فعل الإدمان بحد ذاته ـ بعيدا عن نوعيته- أمر مكلف، متعب، مهين ومزعج !

لقد قررت ما قررته لأنني بت أكره نفسي وأستصغرها، فلا يرضيني أن أراها ضعيفة، مهزوزة، خائرة القوى وقليلة الحيلة أمام مشروب.

كان معدل استهلاكي اليومي كارثيا، فقد كنت أشرب ما بين نصف لتر ولترين، وقد أتجاوز هذا الحد في أيام الصيف الحارة الاستثنائية. أصبحت الكولا بديلا للماء ولم أعد أشتهي أي نوع من العصائر، بل وأصبح وجود قنينة الكولا في حقيبتي إلزاميا وفوق منضدة غرفتي ضروريا احتسابا لأي عطش قد ينتابني.. هنالك ظمأ لا يطاق كان يعذبني فلا تتبادر إلى مخيلتي سوى صورة قنينة الكولا وهي باردة، خاصة في فترة الدورة الشهرية.

في بداية الأمر كنت مستمتعة بهذا الارتباط الغريب الذي يجمعني بمشروب كوكاكولا العظيم، وقد كنت أخطط لأن أقفز في مسبح مملوء عن آخره بمشروب الكولا، وكنت أنوي فعل ذلك حقا. لكن مع مرور الوقت، أضحى الموضوع مقلقا فصرت أكره نفسي المرتبط مزاجها بمشروب لعين، أصبحت أتصرف بجنون هستيري وعصبية غير مفهومة وتوتر غير مبرر في  كل مرة لا أجد قنينة الكولا باردة. أليست هاته أعراض الإدمان؟  

وصولي لهذه الدرجة من الإدمان كان مصدر إزعاج كبير وجدل داخلي لا متناه، كنت أتساءل دوما: كيف لك يا وفاء أن تكوني على هذا القدر المهين من الخضوع والتبعية؟ كيف لك أن تسمحي لمزاجك أن يكون رهين مشروب؟! مشروب يا وفاء، ماء وسكر!

كنت فاقدة للسيطرة، وما ألعنها من وضعية عندما يكون الشيء المسيطر عليك من صنع إنسان مثلك!

وبأكبر عزيمة ممكنة، قررت أن أضع حدا لهذه العلاقة السامة التي ربطتني لأكثر من عقد من الزمن بمشروب الكولا. قد يبدو لكم فيما أقوله شيء من الغلو، لكن وحده من عاش أو يعيش تجربة مماثلة يستطيع أن يحكم في الأمر حكم العارف المطلع.

لم تكن تجربتي في الإقلاع عن الإدمان سهلة، فقد مررت بمواقف كانت قنينة الكولا متاحة أمامي بشكل يستهويني جدا؛ باردة في يوم صيف حار أو في فترة الدورة الشهرية، مع كمية وفيرة من الثلج مما يزيد من لوعة الرغبة فيها.. ورغم ذلك لم يبل ريقي ولو رشفة، لأنني كنت على اقتناع كامل أنني أستحق ألا أكون تحت رحمة أي أحد أو أي شيء، أستحق أن أكون سيدة مزاجي!

كنت أكيل لنفسي الثناء وأحتفي بها مع كل موقف تستدرجنا فيه الكولا إليها ونكابر، نمتنع، نردد سرا وجهرا “لن تهزمنا… إنه مجرد مشروب تافه ليس له قيمة البتة!”.

اليوم أنا في منطقة الأمان بعد 365 يوما بدون كولا، أجدها في ثلاجة المطبخ وعلى  طاولة الغداء في يوم الجمعة بجانب طبق الكسكس الشهي فأبرم لها ظهري… كم أنا فخورة بنفسي، ففي كل مرة تمتحن الكولا عزيمتي كنت أردد بإصرار عنيد: “قاومي حتى آخر رمق، حتى لا تذهب أنفاسك الأولى هدرا”.

لقد نصحني أصدقائي أن أكتفي بتقليل كمية استهلاكي لها تدريجيا، لكنني اتبعت الطريقة التي لم أشك يوما في نجاعتها، جزمت أن يكون الأمر دفعة واحدة… ألقيت هذا التحدي  بقوة وعزيمة أكبر، وكان لي ما أردته!

فاليوم أستطيع أن أشرب الكولا متى أردت وأن أمتنع متى أردت أيضا، وهنا مربط الفرس. لقد أصبح تناولها من عدمه سيانا بالنسبة لي، وهكذا عادت الأمور إلى سيطرتي…

أحسنت يا وفاء!!

طلاق بائن للأسمر الفاتن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *