ظلمات ليست كالظلمات

لُجٌّ وموج، دَيْجور فَنُور

بعد متعة النظر إلى السماء، ماذا عن لذة البحر؟ بالجلوس أمامه وبالسباحة على سطحه والغوص في أعماقه ! بالذات ونحن في ظرفية ضاعفت من اشتياقنا وحاجاتنا للطبيعة، الزرقاء منها خاصة. ولذلك أرجح أننا سنلجأ إلى العالم الأزرق الحقيقي ساعات طويلة من أجل جلسة علاجية فخمة ومجانية فور انتهاء حجرنا المنزلي.

إنه البحر، مصدر رزق الملايين من البشر حول العالم، ومنبع إلهام للآلاف من الشعراء والأدباء ووسيلة نجاة وعلاج لعدد لا يستهان به من المكتئبين والحاقدين على ظلم هذه الحياة الدنيا لهم. وقد صدق من قال: “أنة في وجه البحر أبلغ من ألف أنَّة في وجه ألف شخص”.

إنه البحر الذي لطالما شبه الإنسان نفسه به من حيث التقلبات والعجائب والأسرار والظلمات، وما أغرب أمرها تلك الظلمات! لا شك أن الظلمات التي سيتحدث عنها غواص من الهواة عند عمق 40 مترا ليست مثل الظلمات التي سيعيشها غواص محترف بلغ 281 مترا في الأعماق. كما أن الظلمات  من وجهة نظر الحيتان الزرقاء عند نقطة 500 مترا لا تشبه بتاتا ظلمات 1000 مترا بالتحديد! لأن الألف متر هو أقصى عمق يصله ضوء الشمس، وعنده ينتهي البحر السطحي وندخل مجال البحر العميق.

لا دراية لنا أيضاعن شكل الظلمات عند عمق 10898 مترا الذي وصلته غواصة السنيمائي جيمس كامرون، ولا عن شكل الظلمات عند عمق 10916 مترا الذي نزلت إليه غواصة والش وبيكارد. في البجار العميقة حيث الضياء منعدم والظلمات متراكمة، نعم متراكمة !

الظلمات نوعان:
1- لدينا ظلمات الحوائل وهي منقسمة إلى ثلاثة أنواع: ظلمة السحب التي تطل على سطح الأرض والبحار، ظلمة الأمواج السطحية وظلمة الأمواج الداخلية .

2- ولدينا أيضا  ظلمات الأعماق والمنقسمة إلى سبع طبقات؛ فعلميا شعاع الشمس مكون من سبع ألوان وهي الأحمر (طول موجه 20مترا) والبرتقالي (طول موجه 30 مترا) والأصفر (طول موجه 50 مترا) والأخضر (طول موجه 100مترا) والنيلي والبنفسجي (طول موجهما 125 مترا) وأخيرا الأزرق ( طول موجه 200مترا). وتتوقف قدرة اختراق الشعاع الضوئي بانتهاء طول موجته، ليختفي ويحل محله شعاع ضوئي آخر. وهكذا تتكون ظلمات الألوان لشعاع الشمس بعضها فوق بعض على حسب عمق الماء الذي يمتص الألوان بأعماق مختلفة.

لدينا في المجموع إذن عشر ظلمات والتي اكتشفها الإنسان خلال القرون الثلاثة الماضية، بينما أشار إليها القرآن في واحدة من أعجز آيات كتابه الكريم، بقوله تعالى في الآية 39 من سورة النور التي ما تفتأ تبهرنا بآيات مماثلات: { أَوْ كَظُلُمَٰتٖ فِے بَحْرٖ لُّجِّيّٖ يَغْش۪يٰهُ مَوْجٞ مِّن فَوْقِهِۦ مَوْجٞ مِّن فَوْقِهِۦ سَحَابٞۖ ظُلُمَٰتُۢ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ اِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُۥ لَمْ يَكَدْ يَر۪يٰهَاۖ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اِ۬للَّهُ لَهُۥ نُوراٗ فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍۖ }. أسرار وحقائق عن البحر، العالم المظلم والذي قضى الإنسان عقودا يكتشفها ولا زال يفعل ذلك.

ختاما، بما أننا أشرنا في بداية التدوينة إلى أوجه الشبه بين الإنسان والبحر، فأظن أن أوجه الاختلاف بينهما هو أن التجارب أوضحت أن نفاذ الضوء يتناسب عكسيا مع ازدياد العمق في البحار، عكس الإنسان الذي بين علم النفس أنه كلما تعمق في فهم نفسه وأغوارها كلما أنارت اللمبة اكثر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *