عليم بذات الصدور

الخبير بما تخفي وما تعلن

في فترات مختلفة من حياتنا تتغير بعض مفاهيمنا وأولوياتنا، تصبح قدرتنا على التجاوب مع محيطنا أكثر فعالية ويتحقق النضج الفكري تدريجيا ليجلب لنا معه الطمأنينة وراحة البال، فنغدو مثلا أكثر حرصا على تقديم المساعدة للناس لأن ذلك يمنحنا السعادة، يقل وقد يتلاشى نهائيا تعصبنا الديني والعرقي والجنسي …

نميل لعمق الأمور وبساطتها ولا نهتم بالسفاسف، نصبح أكثر تقبلا لاختيارات الآخرين ومساراتهم، نستثمر مالنا وجهدنا ووقتنا في فعل الخيرات طمعا في توفيق الله سبحانه وتعالى، نجد ضالتنا في روح الجماعة حينا وفي عزلتنا حينا آخر، وتكتمل سمات النضج في نظري عندما نكف عن تقديم مبررات لأفعالنا وتصرفاتنا وأحاسيسنا لأشخاص مصرين على فهمها وتأويلها على طريقتهم الخاصة وعلى هواهم الشخصي؛ نكف عن فعل التبرير والشرح لأننا نكون قد اقتنعنا أنه يكفينا نصرا أن الله عليم بذات الصدور.

{اِنَّ اَ۬للَّهَ عَٰلِمُ غَيْبِ اِ۬لسَّمَٰوَٰتِ وَالَارْضِۖ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ اِ۬لصُّدُورِۖ} (الآية 38 من سورة فاطر)

من أحب الآيات وأقربها إلى قلبي ووجداني، تضعني موضع ثقة بأن هناك من يعلم بحقيقة ما أكون وحقيقة ما أقول وحقيقة ما أضمر، وفي موضع امتنان للخالق تعالى على كل ما أسبغ علينا من نعم ظاهرة وباطنة وهو يعلم دواخلنا، أينما جلت ببصرك ترى النعم تحيطك وتحتاط بها، بل أيما حاسة استخدمت تدرك أنك غارق في الخيرات من أعلى رأسك لأخمص قدميك، وكل بمقدار لا يزيد ولا ينقص، بل وعلى قدر حاجاتك ومساعيك تأتيك بحكمة، لأنه أعلم بنا من حالنا… نطير فرحا وبهجة عندما يتفهم موقفنا شخصا ما ويحس بنا، فما بالنا أن يكون الباري عز وجل خبيرا بحالنا كله؟

 غالبا ما ندخل في حوارات ونقاشات يساء فهمنا فيها ولا يجدينا نفعا المواصلة في التبرير والتفسير، فينتهي بنا القول أن الله وحده يعلم ماهية ما في القلب من خواطروهواجس وخير وشر. الله تعالى لا يخفى عنه ما تضمره القلوب، لا يغيب عنه المستور ولا المعلن، وحده يفهم صمتنا ويستوعبه،  فكيف لا يعلم وهو الذي خلق وهو الذي قال: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اَ۬للَّطِيفُ اُ۬لْخَبِيرُۖ} (سورة الملك – الآية 15).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *