في ضيافة رجل غريب

خواطر عن الشجن والضياع

أنا هنا حيث أنتمي لكنني أشعر أني غريب، شعور عجيب يتملكني يتضارب بين الدهشة والشك، وسط وابل من الأفكار السلبية داخلها مدمر مشتت وخارجها مشع، وكأنني أدور في حلقة مفرغة لا بداية لها ولا نهاية، كلما حاولت جمع أطرافها إلا ووجدتها ممتدة تزداد توسعا، ضاربة في أعمق جذور الحياة، منتجة لفكرة دون معنى قارئها البسيط يقر بسذاجتها، لكن المتأمل فيها يدرك عمقها، وما بين السذاجة والعمق صراع تفوز في أغلب جولاته السذاجة كيف لا ومعظمنا غارق فيها، تلتف الطرق من حولنا وتتكثف الغيوم فوقنا، وينفرط العقد من بين أيدينا وتنثر حباته الثمينة، فكيف لنا أن نعيد نظم حباته؟


لا حيلة ولا تدبير نتقلب كيفما قلبتنا الأقدار، لا قدوة حسنة نقتدي بها ولا مبادئ راسخة نتشبع بها ولا غاية أسمى نتجه إليها،ولا قلب مطمئن يعيد للروح سكينتها.

بعثرت رياح الجهل أوراقنا وهبت عواصف هوجاء فأخرجتنا من عقر دارنا، وتحت رحمة الشارع تركتنا، نراقب بوعي وعن كثب حتى أصبحنا موقنين ومتأكدين من ضرورة أن نحاكم عقولنا وفكرنا، حتى لا ينحط وعينا و يدمر منهجنا، ولكن ما الحل؟

وبلا مقدمات أنتم غرباء وأنا غريب ولكن سأحكي لكم، ومن لي غيركم أبثه كلماتي؟

سأرتب حروفي لتناسب مقامكم الكريم وسأجعلها كسمفونية حزينة ترقص على أنغامها الذاكرة وتهتز لها طربا، وأنا الغريب أسير خطوة وراء أخرى أدنو من جرحي وأبدأ حكايتي وأرسم عالمي الذي يتمثل في طفلة تائهة بين الحقول أفتش عنها بين الأشجار وأسأل عنها الأزهار والأنهار… وفي الليل أعود حاملا خيبتي أدخل بيتي وأترك قلبي تائها ضائعا بين الحقول، فإذا بي أجد من أفنيت يومي بحثا عنه ملقى على سريري فاتح ذراعيه مبتسم بود يريد استقبالي، لكنني أنا الغريب أعرف حظي…


استيقظت، التففت يمنة ويسرة فإذا بخصلة شعر تداعب خدي وتقول لي: وقت الرحيل قد حان لا حيلة لنا ولا تدبير ساعة الأنس شارفت على نهايتها والربيع بات بعيدا، ولسنا نحن من نتقن فن الليل.

أهدتنا وردة فتركناها على أرصفة الحزن تذبل بكت ولم تجد بين العابرين أحدا يشتم عطرها، هذه مدينة الحزن لا تسقى فيها الورود وإنما تقطف وتهدى في الليل وفي الصباح ترمى ليعود الحب لكوخه وهكذا تتوالى الحكاية وردة… ليلة … صباح … حزن …

نبحث عن بقايا أحرف الأمس فلا نجد غير الأسى والحزن، أين ذهب الغزل، أين حكاية العشق، أين ليالي السمر؟نفديكم إن غبتم وإن حضرتم فأنتم الأحبة ما لنا غيركم، فبعدكم أصبحنا والأسى رفقاء…

حكاية السفر تنتهي هنا وليالي الشجون انتهت قبلها بأعوام وبقينا نحن الغرباء بلا مأوى نسأل من جديد، ترى في أي حضن نامت واستقرت الوردة من جديد وفي أي يد ستذبل ؟

في ضيافة رجل غريب

كمال بحاجة

طالب باحث يسلك ماستر قانون الأعمال حاصل على دبلوم تقني متخصص في تطوير المعلوميات