في مكان سحيق

القارة العجوز في زمن كورونا

يوما بعد يوم ، تزداد الجراح التي سببتها كورونا للقارة العجوز،الأقنعة التي كانت تحاول بها التستر-عبثا- عن تجاعيد الشيخوخة ،لم تصمد طويلا أمام بطش الفيروس الذي لايقيم وزنا لا لقارة عجوز ولا لقارة سمراء أو صفراء ،وبطرق مختلفة لايكل من تلقيننا دروسا قاسية في الظاهر قيمة في الباطن.
“الجنازة كبيرة والميت فأر “ مثل مغربي مأثور، جعلنا كورونا نراه في تعاملنا مع أوربا قبل الأزمة ؛ لقد أقمنا نحن ساكنة المعمور، في سنوات ليست بالبعيدة جنازة كبيرة لموت افات مخجلة سادت حتى عهد قريب تاريخ أوربا، وسرعان ماخالنا إحساس بأن في طريقة قتل أوربا لهن أسوة و دروس عظيمة ، لكن ،الحقيقة أن تلك الجنازة التي شيعناها بأعداد غفيرة ،متنبئين بأوربا جديدة ومزدهرة ،مفيدة لذاتها وللعالم ،لم تكن سوى لجثث افات صغيرة ، ليس بمقدورها تحديد ازدهار أوربا من عدمه.
العجوز كانت تدعي أنها تعطي كامل الحرية ،لإعلامييها وصحافييها في التعبير عن ارائهم ،لكن مالذي تغير فجأة، فبدلا من أن تضع الصحافة الأوربية المواطن في صلب الموضوع ،وتحيطه علما بأن الوضع أخطر مما يتصور، اكتفت –بشكل خارج عن إرادتها- بطمأنته في بداية الأزمة بأن الوباء ليس فتاكا بنسبة كبيرة ،وأن الأوضاع تحت السيطرة مع استفحال الأزمة ،وهو ماتكذبه الأنباء الواردة من وسائل الإعلام الدولية تباعا التي لم تجد بدا من الكشف بأن أوربا تجازف بأبنائها تحت قاعدة “من هو خال من الأمراض المزمنة يعالج، ومن دون ذلك يترك وحيدا في مواجهة الوباء”.
الإتحاد الأوربي ،الذي لم يدع كتابا مدرسيا ولا مجلة ولا صحيفة إلا وفرض وجوده بالصفحات الأولى منها ،لم يكن عند ظن المواطن وحتى السياسي الأوربي به ، لقد وضعهم في وضع مخجل أمام العالم وجعلهم –ونحن قبلهم – يتساءلون عن جدوى قوانين الإتحاد ومبادئه ،أين ذهبت كلها ؟ ألا يجدر بالإتحاد أن يبين لمواطنيه وللعالم ،أنه قائم وصلب في الشدة كما في الرخاء ،في الأحزان كما في الأفراح.

على أية حال ،الوقت لا يسعف الأوربيين للإجابة عن هذه الأسئلة ،وعلى مايستنتج من تصريحات رئيس الوزراء الإيطالي، فإن الحساب بعد القضاء على الأزمة سيكون مختلفا بل قاسيا ،ولسوف تفكر إيطاليا في التأسي ببريطانيا والإستفتاء على مغادرة الإتحاد ولن نحتاج هنا إلى دليل أكثر إقناعا من تلميحات وزير خارجيتها جوزيني كونتي ، بحياد الإتحاد عن أهدافه ،واتهامه هولندا بالضلوع في ذلك.
البكاء والنحيب عند رأس المريض ،قد يكون أحيانا عزاء له في حياته ،و إنذارا له بقرب ساعته، ومن ثمة فالإتحاد الاوروبي وأوربا نفسها ،إما أن تتدارك الموقف وتصحح أخطاءها ،تبث في مواطنيها روح الأمل وبواعث الحياة،كي تكسبهم مناعة معنوية ضد كورونا ،وإما أن يكون كورونا قد ألم بمواطن ضعفها العسيرةعلى الإحصاء،حينئذ يكون الوقت قد فات،في كلتا الحالتين،وليس من باب التشفي ،بعد كورونا سوف يهوى بأوربا ومجدها في مكان سحيق.

في مكان سحيق

محمد حميدي

طالب و مدون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *