كورونا الفكرية Vs كورونا الجسدية

كلّ الدلائل تشير إلى أن فيروس الكوفيد 19، لم ينل لحسن الحظ من عدد كبير من المواطنين المغاربة، لاعتبارات المناخ المغربي وسياسة المراقبة الحدودية الصارمة اللذان يَحُولان -وإن بنسبة ضئيلة- دون انتشار هذا الوباء المستجد، المغاربة شعب استثنائي، تظهر استثنائيته في كونه الشعب الوحيد ربما، الذي استقبل أولى إصابة بالفيروس بصدر رحب وحسّ فكاهي عال؛ إذ تمظهر ذلك في “الطرولات” الساخرة منه وحوله ،الرائجة في مواقع التواصل الإجتماعي.دعني من التمظهرات الصورية لهذه السلوكيات بغض النظر عن صحتها من عدم ذلك، ولنتعمق -فيما هو آتٍ- في تحليلها في علاقتها بما هو قِيَمي.

نسبة إنسانية المغاربة لا تقل عن نسبة إنسانية الشعوب الأخرى من كل أرجاء المعمور، وعليه، فإن المسألة ليست مسألة إنسانية، كما يروج البعض، وهو مايحيلنا على تفسير واحد،مؤداه أن المغاربة واجهو ولا زالو يواجهون فيروسات أخرى، ذات درجة خطورة لا تقل عن الكوفيد 19، لكنها -وهذه نقطة الإختلاف -عقلية فكرية ، بأعراض أخلاقية سنشخّصها فيما سيأتي من السطور.
“المناسبة شرط”، كما يقولون. وإذا ما اعتبرنا دور الثامن من مارس، كمناسبة للوقوف على نسبة تمكن نساء العالم من حقوقهن المكفولة بالأعراف الدولية، فإننا نلاحظ في جل أرجاء المملكة، استمرار لانتشار “كوفيد” الاضمحلال القيمي الذي يمارسه البعض تجاه النساء بشتى أعمارهن، فنجد قضية حرمان يتامى الموظفات المتوفيات من معاشهن، و نجد على الرغم من التطور الفكري الحاصل، تناميا مهولا للنظرة الدونية للنساء العازبات، وأما ماهو متعلق بظاهرة تزويج القاصرات فحدث ولا حرج.

إن الكورونا العقلية الفكرية لم تتأثر بها الفئات العمرية النسوية فقط، بل تجاوزتها، لتشمل كل الفئات العمرية، أعراض ظهرت على هذه الفئات توحي بوجود أزمة أخلاقية حادة، دقّ ناقوس خطرها شخصيات وازنة إعلاميا وفكريا، في مقدمتهم أحمد عصيد ومحمد عبد الوهاب رفيقي، وإذا ما عدنا إلى ماهو واقعي فإننا نسجل أعراضا أخرى، من قبيل استفحال جرائم التغرير بالأطفال والمتاجرة بهم ، وتكاثر دكاكين الرقية الشرعية ، وعمليات النصب العقاري الجماعية لعل أخرها ما يعرف إعلاميا بقضية “باب دارنا”.
مهما حاولنا ذكر أعراض الكورونا الفكرية التي تشق مجتمعنا، فلن نحيط الذكر بجميعها ،بل على العكس، سنوقن أن محاولاتنا مد ليس إلا لبحر من الأعراض الفكرية الأخرى العديدة لها، وهو ما سيجعلنا نقر -شئنا أم أبينا-، بأن التعادل السلبي بين الكورونتين، الفكرية والجسدية مستبعد تماما، لكن لنقر بفوز الأولى فوزا ساحقا.

محمد حميدي

طالب و مدون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *