لكل نهاية بداية

الإعاقة ليست نهاية العالم

أحيانا تتخبط بنا لحظات من اليأس والتشاؤم والإحباط مهما بلغت قوتنا وصلابتنا وأملنا في الحياة، لحظات نحس فيها وكأن الزمن قد توقف، تجعلنا نعيد مراجعة أنفسنا والتحقق من أن تلك الأحاسيس مجرد أحاسيس لحظية بإمكان جميع البشر المرور بها نظرا لتركيبتنا النفسية والتغيرات الحياتية من شتى الجوانب، لكن عندما ننعزل بذواتنا ونمعن التفكير والتحليل جيدا، نتفاجأ من كون أن تلك الصلابة والقوة التي يلاحظها الجميع في شخصياتنا لم نولد بها، بل هي نتيجة لمعارك كثيرة خضناها مع ذواتنا ومع البيئة المحيطة بنا.

أزمات صعبة مررنا بها، أنفاق طويلة مظلمة، أرواح مرهقة ظلت ليالي حالكة تناجي خالقها والناس نيام كي لا يرى أحد دموعها المنسابة بهدوء وكي لا يسمع ذاك الأنين الذي لا يمكنه وصف الألم الذي ألحقه بها؛ ألم يكسبك مناعة تجاه ما قد تخبئه لك الأيام المقبلة من صفعات، ويزيدك إصرارا وإرادة لأجل إعادة المحاولة، واستخلاص عصارة الألم التي فيها يكمن التحول، تحول من الضعف إلى القوة، تحول يجعلك تقارن أمسك بيومك وتشجع لتعمل لغدك، فتعيد رسم طريقك الخاص الذي ربما كنت قد أضعته في لحظة من تلك اللحظات.

وهنا سأعود بالذاكرة إلى التاريخ لنجد كم من العظماء وأصحاب النجاحات الساحقة بل وأصحاب الأفضال على البشرية، كان اليأس قد بدأ بالنيل منهم وتحطيم أحلامهم و كسر إرادتهم، والمبهر أن هؤلاء الناجحين لم تكن معاركهم نفسية فقط بل الأشد من ذلك أنهم كانو يعانون من إعاقات جسدية أو كما يطلق عليهم الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وهاته معركة خاصة يخوضها هؤلاء العمالقة نظرا للاحتقار والدونية والاستهزاء الذي يتعرضون له من طرف المجتمع، كما أنها فرصة كبيرة لأجل إعادة الاعتبار لهم، لذا سأحاول جاهدة في تدوينتي اليوم الالتفات لهاته الفئة المهمشة والمقصية وذكر بعض الناجحين منهم الذين قاوموا وكافحوا وتحدوا أنفسهم ونظرة المجتمع لأجل تحقيق إنجازات عظيمة ظلت تذكر على مر التاريخ، كما أعطونا دروسا في الحياة ستمنحنا فرصة كبيرة لإعادة النظر في الكثير من أمور حياتنا وشكاوينا وبكائنا على أشياء ربما لو منحنا إياها لكان فيها شر لنا، وهل يوجد أثمن ما يمكن أن تفقده غير نعمة الصحة والعافية التي بمجرد إصابتك بوعكة صحية خفيفة تصبح الدنيا مجرد نقطة صغيرة تافهة في عينيك؟ فما بالك بهؤلاء الذين فقدوا أعضاء وحواسا من أجسامهم…

ونذكر على المستوى السياسي روزفلت المواطن الأمريكي الذي أصيب يالشلل وعمره 39 سنة؛ هذا لم يوقفه عن طموحه السياسي لغاية وصوله لكرسي رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1932، والعجيب أنه استمر أربع فترات رئاسية وحرك العالم من على كرسيه المتحرك إلى أن توفي سنة 1945.
أما على المستوى العلمي فنجد الفذ ستيفن هوكينغ الذي شغل أعلى منصب في الرياضيات ولقب بكرسي الرياضيات، وكان هوكينغ مقعدا لايمشي..
وأما على المستوى الأدبي فمن منا لا يعرف عميد الأدب العربي طه حسين الذي ألف كتبا مميزة وقد كان كفيفا.
في حين نجد على مستوى قادة الجيوش القائد البارع موسى بن نصير، فاتح الأندلس وإفريقيا، وهو الذي كان يعاني من العرج.

إذا فكرت في أغلب إعاقات هؤلاء العظماء ستجدها مؤثرة جدا في صميم أهدافهم، لكن الإعاقة الحقيقية عندنا ليست إعاقة الجسد بل إعاقة الإرادة، لأن نجاحات هؤلاء أجبرت العالم الحديث على تغيير اسم المعوقين إلى ذوي الاحتياجات الخاصة، ثم ارتقى هذا الاسم بفضل نجاحاتهم إلى”أصحاب القدرات الخاصة”.

الغاية والخلاصة من كل ما كتبت ومن ذكر هؤلاء الملهمين هو أن كل شيء يهون أمام ما عاناه هؤلاء، وأن لكل نهاية بداية جديدة نشق بها طريقنا نحو القمة وننسى كل ما مضى ونشد الهمة، ثم نسمح لأنفسنا بالتحرر من كل ما يقيدها في ظل التقيد بأوامر الخالق سبحانه والابتعاد عن ما نهانا عنه.

لكل نهاية بداية

وردة التخشي

وردة التخشي مواليد مدينة الحسيمة, حاصلة على البكالوريا تخصص العلوم الفيزيائية, وحاصلة على شهادة الاجازة تخصص العلوم الكيميائية, انسانة طموحة ومحبة للعلم والمعرفة, عاشقة للقراءة والكتابة فهما منفذي نحو تحقيق الذات والتعرف اكثر على معاني الحياة. اهوى واحب العمل الخيري التطوعي والانساني,عضوة سابقة في ناد طلبة متطوعون بكلية العلوم تطوان, ومدونة لدة منصة معاني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *