مغتربة في زمن كورونا

حنين مغتربة

كم بقي من الوقت؟ هل العدد في تزايد ؟ هل ستعود أحوالنا كما كانت عليه ؟ ماهي تبعات هذه الأزمة ؟ هل سنأخذ نصيبنا من تردي الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية، ما مصير الأسر التي فقدت قوت يومها ؟ ما هو حال المعلقين خارج الوطن؟ إلى متى سينتهي هذا الحجر؟ هل سنخرج منتصرين من هذه الحرب أم ستحولنا إلى حطام لا نقوى على لملمة أشلائنا ؟ أسئلة تجري وتتدفق دون إنقطاع.

نار الإشتياق تقتلني كل دقيقة، الوحدة والغربة تسلبني حيويتي في الحديث في المضي قدما ومسايرة الوضع، أحاول التأقلم بخلق جو يؤنس وحدتي، إتصالات لاتنقطع محادثات رقمية أعزي بها الأشواق النارية التي تلهب صدري، أرى أسرتي مجتمعة في وضع معطوب، بفرد ناقص سلب من كنفها طوعا باحثا عن أفق مستقبل مشرق، كقطار فاقد لأحد عرباته هكذا باتت صورة أسرتي حاليا، الأحبة يحاولون تزكيتي بمواسات وعبارات منمقة جميلة التعبير، تلامس الغشاء الخارجي مني فقط بعطف تلطف المكان الضحل الذي يكنز تحته حزن ثقيل شديد السواد، يجعلني مشلولة لا أقوى على حمل كتاب أو دراسة ما أنا في الحقيقة جئت هنا لأجله، آخذ طريقا جديدا علني أجد ضالتي وطريقي، آخذ الخطوة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة وأسقط في الشراك أبقى للحظات عديدة لا أقوى على الحراك لا أدري كم مضى من الوقت وأنا على تلك الحال، أتمرد شيئا فشيئا أوقظ قوى الأمل علها تحدث أمرا، أبقى لأيام معدودة على تلك الحال بمؤشرعال من الكآبة وبضع شذرات خفيفة من الأمل.

كثيرون هم من يرددون كم أنا محظوظة أو بالأحرى كم أنا مجدة في الدراسة لأحظى بمثل هذه الفرصة ، بل يذهب البعض ليقول أن لعبة الحظ كانت من نصيبي حتى تسنى لي أن أحرز مكانا في هذه البقعة الجغرافية، لكنهم  يتغاضون عن تلك الويلات التي ترافقني ملازمة لي بدون كلل ولا ملل، يتجاهلون الحروب الضارية التي أواجهها كل يوم بدون جيش ولا أسلحة تحميني من كدمات الزمن، في معركة أكون أنا ونفسي فقط في ميدان الحرب نخوض معارك دموية تشرع فيها كل الأسلحة الفتاكة وأنا في المقابل لا أحمل شيئا، أبقى مجردة من كل زاد وقوى.
‏الدموع أصبحت لا تفارق وجنتاي، تهطل مهرولة دون إنقطاع، صرت مؤخرا أنتحب وأتأوه كعجوز أخد منها العمر كل ما تملك لتصير ذابلة كنبتة تقاوم في صحراء قاحلة بتربة تفتقر لكل مكوناتها العضوية.

صرت ألعن الدراسة وألعن الحلم الذي أخذني جاثمة على ركبتاي بعيدا عن أسرتي، عن وطني وهويتي …ألعن طموحي الذي يقابلني بلكمات ترمي بي أرضا كلما تشبثت به. المرارة أصبحت مصطلحا مألوفا بالنسبة لي، أتجرعها مع قهوتي الصباحية كواحدة من طقوس يومي، أتحدث لساعات عبر الهاتف كي أنفصل ولو لوهلة عن كآبتي التي  تبقيني خيوطها مكبلة ولا أقوى على التنصل منها.

ربما أعاني من حالة إكتئاب لأن إنزوائي بهذه الطريقة ونحيبي المستمر يجعلاني أصدق بأن ما أنا فيه هو نوع من أنواع الإكتئاب. صفعات هنا و هناك، وسائل الإعلام تتنافس على تعداد الموتى والمصابين، أهرول هاربة من هذا السباق المحتدم إلى نوافذ جديدة، أطرق كل الأبواب علها تخرجني من هذه المتاهة، لا شيء هناك غير خيال يسليني لسويعات معدودة ويرجعني إلى حال سبيلي.

أشتاق لرائحة أمي، لحديث أبي الهادئ لمزاح إخوتي وعنادهم، أحن إلى الجلوس في الضوضاء بين أفراد أسرتي، أتوق للإنزواء في ركن البيت وأهلي حولي. الحنين يثقل كاهلي،أعد الدقائق والثواني للقياك يا أمي أشتاق لصدرك الدافئ وملمس يدك حين يلامس جسدي. أنا مدركة يا أمي حجم الحزن والأسى الذي تشعرين به بسبب فراقي لكن سأعود، سينتهي هذا الكابوس المشؤوم وسنلتقي…!

فاطمة الأعرابي

24 سنة طالبة بسلك الدكتوراه بكلية العلوم تخصص علم البيئة ، أحاول أن أحتراف الكتابة ، أهوى قراءة الكتب ،السفر و الطبيعة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *