من أكل الخفاش وجعل تشريعنا المغربي يتلاشى

هل حان الوقت للطعن في دستورية القوانين؟

تصويب: الأراء الواردة بالتدوينة أسفله تخص صاحبها فقط ولا تلزم مدونة زوايا ولا فريقها أو قراءها بأي وجه كان.

هل تحولت حالة الطوارئ فجأة إلى سوق سوداء تباع فيها القوانين والرهينة هو المواطن؟

باث المواطن اليوم لا يغمض له جفن حائرا، أيعقم حنجرته من فرط الخطر الذي يهدده أم حنجرة الحكومة التي أصابت فوهتها التخمة وأصبحت تجود علينا بقوانين في أبهى حلة، فما أجمل السخرية عندما يكون المفعول به على قدر كبير من الوعي والتعقيم، هذا الجسر الذي اتخذوه باسم الحجر الصحي معبرا وجعلوه بمثابة قنطرة لتحقيق نواياهم الدفينة قد أصبح على شفا حفرة من الانهيار، فقط تنهيدة واحدة من رجل قانون تكفي لتردمه فوقهم.

لطالما كانت القوانين تنصب في مبدأ العامية لا تحتمل لغة العطف ولا التفرقة، كما قال المفكر مونتسكيو أو أب القانون كما يلقبه البعض: “القانون كالموت لا يستثني أحدا”، كيف حدث وأضحت القوانين بنفسها مصدرا للتفرقة، تقدم على طبق من ذهب ولاء للزعماء السياسيين، الذين وإن لم يختبئوا وراء قناع الأغلبية السائدة فإن وزنهم الاقتصادي مكنهم الاقتراب من أزرار الآلة التشريعية، مما أسفر عنه ضرب صارخ لحقوق الأقليات الفردية والشركات الصغرى والمتوسطة PME في مجتمع يدعي الليبيرالية القائمة على حرية المنافسة.

أي منطق هذا وقبلة دستورنا المغربي تعتنق عقيدة الواضح وجاء على لسانه أن القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة و الجميع أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، أحدث خطب ما والجميع غافل في “دار غفلون”، لا سيما أن الطريقة التي أصبحت تحاك بها القوانين في الخفاء تولد شكوكا لذى الضمير المخاطب وأول تساؤل قد يبادر ذهنه هو عن محله من الإعراب خصوصا أن تلك المحررات لا تتعلق باستفسارات أو اقتراحات أو توصيات لا تحدث تغييرا بحقوقه، في حين أنها قوانين نافذة سارية المفعول والأثر وملزمة للجميع وتنتقل بمجرد المصادقة البرلمانية من حضن السلطة التنظيمية للحكومة لحظيرة السلطة التشريعية تطبيقا للفصل 71 من الدستور، وبالتالي تصبح محصنة من الطعن بالإلغاء ويبقى المنفذ الوحيد لإزاحة آثارها الوخيمة هو الدفع بعدم الدستورية، هذا الدفع الذي أضحى لزاما لتنقيح الآلة التشرعية من الأعطاب التي أصبحت تشوبها.

حيث إن القانون التنظيمي رقم 86.15 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية القوانين الصادر يوم 6 مارس 2018 الموافق ليوم الثلاثاء 17 من جمادى الثانية 1439، جاء مكونا من 27 مادة موزعة أولها أحكام عامة، والثاني شروط وإجراءات الدفع بعدم الدستورية أمام محاكم أول وثاني درجة، والباب الثالث يخص اختصاص محكمة النقض في النظر بعدم دستورية القانون والرابع يتعلق بشروط وإجراءات هذا الدفع أمام المحكمة الدستورية والبث فيه، والخامس يتعرض لمقتضيات ختامية. وما يهمنا نحن هي المواضيع التي جعلها الدستور من مشمولات القانون التنظيمي المتعلق بتطبيق الفصل 133 من الدستور، هي تلك التي تهم شروط وإجراءات الدفع بعدم الدستورية؛ وتنبغي الإشارة إلى أن هذا الدفع ليس تلقائيا وينبغي التشبت به من الطرف الذي يدفع بأن تطبيقه سيؤدي إلى خرق أو انتهاك أو حرمان من حق من الحقوق أو حرية من الحريات التي يضمنها الدستور.

قد تتبادر لأذهانكم شكوك حول غاية تذكيري لهذا القانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم الدستورية ولو بشكل مقتضب، لكن دعوني أخبركم أن هذه الآلية لا مناص لنا منها في زمن أصبح فيه المرء لا يعذر بجهله للقانون، وعلى سبيل المزحة يمكنني الجزم أنه حتى القانوني أصبح يتصبب ذهنه عرقا في استيعابه لآثار للقانون والغاية منه وهو ما جعل هندسة التشريع اليوم بين شد وجذب و مؤيد ومعارض، وهؤلاء قليلا ما يحملون انتماء حزبيا ديموقراطي ليبيرالي أو اشتراكي شيوعي، أو يأخذون بمبدأ التعددية الحزبية، فغالبا ما يستغربون لوهلة أولى من الوثيرة التي أصبحت تصاغ بها القوانين حتى قد يروج لمسامعنا أن قانونا ما أصبح نافذا قبل أن يتم نشره بالجريدة الرسمية بأيام!! تخيل معي مثلا أن تكون طالبا بالصف وتحصل على صفعة من المدرس وعندما تسأل لماذا يجيبك بأنك لم تنجز أعمال الغد أو الأسبوع المقبل، هذا إن لم يقل لك لا أعلم فالكل مغلوب على أمره، والمستقبل لا تحمد عقباه في وجود هذه المناوشات التي تصل في أبعد الحدود إلى إقصاء المواطن العادي الذي يمثل ركيزة المجتمع وقاطرة النمو السوسيو اقتصادي.

وعلى إثر ما ذكر، لبث من الضروري أن يعيد المجتمع المغربي ترتيب أوراقه وعتق رقبة الحكامة الجيدة ليكفر عن وزره في هذه الطقوس الرمضانية ، بإعادة النظر لبعض المؤسسات والمجالس التشاورية التي لطالما حققت خطوات منشودة في ربط الاتصال بين التشريع و المواطن في وقت أصبحت فيه حلقة الوصل منحصرة بين البرلمان والحكومة، إن هذه المؤسسات التشاورية وإن كانت تغييب عنها السلطة التقريرية فإنها تحقق قاعدة أخف الضررين كما تحدث جلطة في دهن المشرع الذي سرعان ما يكلفه التعافي منها التصنت لطلبات المجتمع المدني و الرضوخ لها بإدخال تعديلات يكون فيها الإنسان موضوع الإصلاح.
وكي لا تحمل مناشداتي معنا قدحيا على هذه الظرفية بحكم أنه تمنع شتى التجمعات بداعي الحجر الصحي فأود أن أومئ بأصابع الإتهام إلى المنابر الإعلامية التي يشهد الجميع أنها لم تقدم أي إعتبار في هذا الصدد ما عدا الإستفسارات التي تقدم إلينا في الوصلات الإخبارية تحمل معطى تساؤلات حول هذه الفاجعة (أسئلة كورونا)، لكن هذا لا يصوغ أو بالأرجح لا يكفي لأن يرفع اللبس ليس عن مفهوم بعض المقتضيات فحسب، بل حتى غياب عنصر التأقيت في بعض القوانين التي ثم سنها وتبقى سارية الأثر إلى ما بعد زوال حالة الطوارئ والحجر الصحي، وأتحدث هنا عن مشروع القانون 20-22 الذي أثار سخطا وجدالا واسعا ، و قد سبقني النقاد الحقوقيون في الحديث عنه، لذلك سأكتفي بالقول أنه جاء بصياغة اعتباطية وحتى شكله مخيف مثل الكوابيس التي تزور سريري كل ليلة، كما يغيب عنه التناغم و التناسق و الإنسجام ، فثارة ينظم الجريمة الإلكترونية وتجريم نشر الأخبار الزائفة وثارة يجرم الدعوة إلى مقاطعة بعض المنتوجات أو البضائع أو الخدمات، كأنها مقتضياته أعدت في مرحاض بدل فضاء المجلس الحكومي، هذا المجلس الذي أضحى البرلمان لا يملك عليه سلطة حسيب ولا رقيب، وهو ما أضحى يفسر غياب ثقة المجتمع المدني تماما في مؤسسة التشريع والأعضاء المنتخبة لثمثيل الشعب، فلا حياة لمن تنادي، ومما يجعل تداعيات تخلي حق الكتلة الشعبية عن التصويت تتفاقم.

تأكدت اليوم أنه لا يمكن أن نظفر بالبرلمان كصديق لنا وحتى إن كان فلا بد من أن نتقي شره، فصدق من قال اتق شر الصديق في وقت الضيق، فلا يبقى للصداقة مكان عندما يحل الغدر، وفي رواية أخرى يقول المؤلف هيمنغوي: إن الطريقة الوحيدة للتمكن من معرفة ما إن كان بإمكانك الوثوق بأحدهم هي أن تثق به، وهذا ما حصل وقد علمنا أن المشرع أكبر خائن للأمانة، ولذلك من العيب أن ننتظر دون أن نحرك ساكنا وليعلم الجميع أن هذا الكائن الذي يخط هذه الكلمات ليس إلا صورة مصغرة لرواد الساحة القانونية العمالقة الذين يحملون مشعل الانتفاضة ونبضات من الحب لوطنعهم الغالي الذي هو نسر جريح ليس إلا.
و آخر ما يقال الأسود تمرض ولا تموت… أقول قولي هذا وأستغفر الله.. رفعت الأقلام وجفت الصحف.

من أكل الخفاش وجعل تشريعنا المغربي يتلاشى

هشام إيخبارن

طالب باحث في الحقوق بسلك الماجستر شعبة القانون الخاص للدراسات المقارنة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *