نظرة سوسيولوجية لظاهرة الاغتصاب

هل يسمح المجتمع المغربي بالوقاية من الاغتصاب؟

لا ريب في كون العديد منا قد اطلع على قضية عدنان، تلك القضية التي هزت المغرب وانتشرت بعدها بساعات موجة غضب في زقاق المجتمع المغربي.

عدنان طفل تعرض للخطف والاغتصاب ثم القتل من طرف شاب عشريني يقطن في نفس حيه.
عدنان رحمه الله ليس أول من يتعرض للاغتصاب وليس الأخير، فقد سبقه عدنانون وسيليه عدنانون كثر، وربما في نفس يوم اغتصابه قد اغتُصب طفل آخر في مكان آخر غير أن هذا الأخير لم يطلع كثير من الناس على قضيته.
والسبب هنا لا يعود بالأساس إلى القضاء المغربي المختل والخاضع لمصالح سياسية أخرى، ذلك القضاء الذي لا يتعب نفسه في إصدار العقوبات القاسية ضد المغتصبين.

بل الحبكة في حد ذاتها اجتماعية، فحين نتحدث عن الاغتصاب، فإن الأمر يتعلق بشخص ربما قد عاش نفس الأزمة في صغره أو تعرض للتحرش بإحدى الطرق.. والأسباب تتعدد إلى ما لا يحصى ونستثني منها اللباس والعمر وجنس الضحية، لأن السبب في الاغتصاب والتحرش هو المغتصب عينه وليس شيئا آخر… والدليل على هذا هو تعرض المحجبات والرضع والذكور الراشدين والكهول أيضا إلى هذه الأفعال.

أما عن حل هذه الأسباب فهو الآخر شبه مستحيل، إذ يستحيل الذهاب في جولة داخل البلد، مدينة بمدينة، شارعا بشارع، دارا بدار، وطرق الأبواب ثم إجراء فحوصات نفسية على فئات الشعب الواحد بعد الآخر… لا أحد بمقدوره الاطلاع على خبايا الأنفس سوى الله عز وجل. لذلك فالحل الوحيد المتبقي هو الوقاية، وهنا نطرح السؤال العجيب: هل يسمح المجتمع المغربي بالوقاية من الاغتصاب ؟

الوقاية هنا هي تلقين الطفل مجموع التعاليم التي ستغني رصيده حول الجنس وكيف يحمي نفسه، والأمر لا يتعلق فقط بحماية نفسه بل أيضا حماية الآخرين منه فقد يكون هو المجرم بنفسه ويوقع بالآخرين في شراك أهوائه ونزواته.
المجتمع المغربي بطبعه وثقافته قد يرفض مسائل كهذه باعتبارها متعلقة بالطابوهات التي لا يجب التحدث فيها (الدين والعقيدة والجنس والمساواة)، وفي مقابل هذا نسمع كل يوم خبر اختطاف طفل أو طفلة قاصر وقد يكون شخصا راشدا وهنا يتحمل المجتمع وزر قراراته التي لا أساس لها من الموضوعية والتي يدفع الأطفال كرامتهم كثمن لها.

هناك عدد من القصص التي ترددت إلى مسامعي ولا زالت تشغل حيزا ضخما في ذاكرتي ومن بينها قصة صديقة لي تعرضت للتحرش من طرف ابن جيرانهم وحين أخبرت والدتها بالأمر صفعتها وأمرتها بالتزام الصمت لكون الأمر “حشومة”.
وصديق آخر تعرض للتحرش من طرف أحد أقربائه وتم إسكاته بدعوى أن الأمر قد يهدد العلاقات العائلية، ليدخل الصديق بعد ذلك في نوبة اكتئاب حاد…

“حشومة” هو اللفظ العميق الذي لا زال عدد من الناس يدفعون حياتهم كقربان له، وهو ذلك اللفظ الذي يحول دون تفعيل مبادئ الحرية؛ وهو الجدار السميك الذي سيظل يفصل زقاق الوطن العربي عن سماء التقدم.

حين يسأل الصبي الصغير عن مفهوم جنسي التقطته أذنه في مكان ما أو في التلفاز فتلك مناسبة جيدة لشرح المفهوم وتوضيح بعض الأمور عنه، وهذا أول مظهر من مظاهر الوقاية التي تعد الحل الأنجع لظاهرة التحرش والاغتصاب التي باتت تقض مضجع الشعوب وتزرع بداخلهم بذور الثأر والحقد عن الأوضاع.
بينما الاعتماد على المؤسسات القضائية لن يجدي نفعا طالما أن هذه الأخيرة لم تضع بعد عقوبات زجرية مثالية، تلك التي تهذب سلوك المغتصبين أو تضع حدا لحياتهم بالمشنقة في حالة الاغتصاب المتبوع بالتعذيب والقتل.

إذا فأنت من تقرر أيها المجتمع، هل سنفتح فصلا سليما من الجنح أم أن دورنا آت نحن أيضا… وحين نتحدث عن قرار المجتمع في أمور كهذه فلابد من تحديد مستواه من حيث التنمية ومستوى التعليم في البلاد باعتباره اللبنة الأساسية التي تفتح العقول وتزرع الوعي بداخلها وتجعلها تحارب التخلف المتطرف..
وهنا سنجد بأن أوضاع التعليم في البلاد يرثى لها وذلك محبوك بخيوط سياسية والسبب في تلك الأمور هي أمور أخرى، وهكذا دواليك…
لهذا فإن حل ظاهرة التحرش والاغتصاب شبه مستحيل.

نظرة سوسيولوجية لظاهرة الاغتصاب

زينب الهلالي

كاتبة و طالبة جامعية بكلية الطب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *