يوم زفافها

عروس من دون عريس

طرحت طرحتها أمام باب منزلها وأخذت تعبر درجات المنزل محاولة كتمان النار المشتعلة بداخلها؛ كلها أمل على أن قدرتها ستكفيها للوصول إلى غرفتها. وضعت يدها على مقبض الباب الذي أزاحته بطريقة دائرية متناغمة وكأنها تحاول الانغماس في هدوئها لثوان قليلة قبل انفجار البركان المشتعل بها.

فتحت باب الغرفة التي يطغى عليها اللون الوردي المتدرج بالأبيض وكأنها غرفة طفلة لا تتجاوز السبع سنين، ولتعاسة حظها فالمرآة كانت كفيلة بأن تشعل لهيب الحرقة وأن تضغط على زناد النار وهي تعكس لها صورتها بالفستان الأبيض المنقوش. نظرت للفستان الذي اختارت كل خيط فيه بنفسها، تذكرت كم كانت متحمسة ليوم ارتدائه وكيف سيبدو عليها، نظرت لشحوب وجهها وإلى شعرها ومكياجها اللذين لا يزالان ثابتين وكأنهما يحاولان الصمود معها في محنتها، فخفق قلبها وسرعان ماهرب نظرها إلى خاتمها، الخاتم الذي ألبسها إياه عريس الغفلة، إنه لايزال معها فكيف هو ليس معها؟! تذكرت سلسلة أحداثها وكم كانت فرحتها تسع العالم بأسره قبل بضع ساعات فقط.
انقبض قلبها وتشنج جسمها، فركزت نظرها على خصلات شعرها، تذكرت مداعبته لها وكم مرة كان يقول بملء فيه أنه متيم بها حد الجنون….

تقابلت مع المرآة وكأنها تحدثها وتستجدي مساعدتها للبحث عن بصيص الأمل ذاك الذي هجرها. شرعت غي عتاب نفسها على أمل أن تخمد ماشتعل بها، تعد السنين التي مرت بها والتي تمثلت في سراب من خانها، تسارعت أنفاسها لتختلط بين الاستنشاق والزفير فتصبح صرخات هزت كيان عرشها الذي أبى الانهيار، لم تستطع … انعدمت الأحاسيس بها وتبعثرت الأفكار بعقلها فبدأت الأوهام والوساوس تحوم بها وتطوف من كل جانب متصيدة الفرصة للانقضاض.

تذكرت كلامه الموزون وحبه المجنون، تذكرت كلام الناس الذي غرز بخنجر بقلبها وهي ترى شفقتهم، قهقاهاتهم ووشواشتهم وهي بالفستان الأبيض المرصع تنتظر فارسها. وللحظة توقف عقلها عن التذكر وقلبها عن الخفقان وانحبس صراخها ونفسها في غمضة عين؛ لم يعد يسمع أنينها ونواحها، لقد غصت في سباتها ويبدو أن الطيور البيضاء حملتها معها إلى مكان بعيد، بعيد جدا، حيث اللاعودة.

يوم زفافها

هاجر العلالي

أدرس في المدرسة العليا لتكنولوجيا شعبة الهندسة المعلوماتية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *