حياتك بين الذكريات والنسيان

زر ماضيك وأشرف على مستقبلك ولكن عش حاضرك فهو لك

مقولة استوقفتني:
“ذكرياتنا إما لهيب يشتعل بالنفس نتمنى إطفاءه، وإما نور نستضيء به في القادم من أيامنا، وإما زلزال يحطم نفوسنا ولا نستريح معه “


كلنا قد مررنا بمواقف وأحداث مختلفة منها المفرح ومنها المؤلم، لتنتهي هذه الأحداث وتصبح ذكريات تخزن في ذاكرتنا لتطل علينا من وقت لآخر… كم من ذكريات موجودة في ماضينا؛ نتمنى لو كان بإمكاننا تكرارها مرة أخرى وكم من ذكريات نتمنى لو باستطاعتنا محوها ونسيانها كما لو أنها لم تحدث أبدا.

فما ذاكرتنا إذا سوى سجل ندون فيها بشكل لا إرادي كل تفاصيل حياتنا وما نمر به يوميا من أحداث وذلك بحسب أهمية الحدث وبحسب تأثيره على أنفسنا. فهي تترك الأحداث العادية في زاوية مهملة وتضع الأحداث ذات الأهمية الكبرى والتأثير الأعمق في مكان بارز بحيث تعود إلينا وتبرز أمام أعيننا وتحرك مشاعرنا باستمرار حتى لو حاولنا أن نتناساها، لو ما كانت هذه الذكريات موجودة لأصبحنا أجسادا بلا أرواح ولماتت الكثير من مشاعرنا، ولولاها لنسينا من نحن ولمن ننتمي وإلى أين نمضي في رحلة هذه الحياة.

ذكرياتنا جزء لا يتجزأ من حياتنا، ولا وجود لذلك الشخص الذي نفذ من تأثير ذكرياته على حياته بشكل أو بآخر،
ولكن الاختلاف يكمن في موقفنا تجاه هذه الذكريات، فالبعض منا يتخذ موقف الهارب الرافض لقلب صفحات ذكرياته لأنها تؤلمه فيتخلص منها بأي طريقة، والبعض الآخر يعيش على ذكرياته ليستمد قوته منها وقت ضعفه، وهناك من يبقى أسيرا حبيسا لذكرياته يقتات على فتات ما مضى.

ومما لاشك فيه أن كل واحد منا قد مرت عليه أحداث سيئة احتفظت ذاكرته بها، فهل يمكننا التغلب على هذه الذكريات السيئة بالنسيان؟
كلنا نتمنى لو أنه بمقدورنا العبث بذكرياتنا كما نشاء، لو أننا نستطيع اقتطاع الجزء السيء ومضاعفة الجزء السعيد، ولكن هذا ضرب من الخيال؛ فكم من مرة سمعنا بأن فلانا مات حزنا فهل مات من فراغ؟ أم أن ذلك الحزن الذي كان مسيطرا عليه هو ذاته الذكريات التي عاش عليها ولم يقوى على أن يتعايش مع حياته بدونها.

قدراتنا على تجاوز مرارة الذكريات إذن متفاوتة، وقوتنا على الوقوف بثبات أمام أعاصيرها متأرجحة، البعض منا رزق بنعمة النسيان، والآخر متورط بالتناسي الكاذب..

إلا أنني أعتقد أنه مهما حاولنا منع أنفسنا من استحضار ذكرياتنا القديمة، فبمجرد أن نرى مكانا معينا أو صورة تذكرنا بشيء ما، أو ربما نشم رائحة معينة أو نستحضر حدثا معينا، كل هذه الأشياء وغيرها كفيلة لوحدها بإعادة إحياء ذكرياتنا وإيقاظها من سباتها العميق، فيسرح عقلنا في تخيلات وتتحرك مشاعرنا. وهنا يكمن السبب الرئيسي لتذكر بعض الأحداث دون غيرها ليس فقط لأهميتها وإنما لما تركته من تأثير نفسي علينا سواء أكان جيدا أم سيئا.

كما لابد أن أنوه أيضا على طبيعة الأفكار التي تبنيناها طوال حياتنا لما تحمله من أثر في ما نحن عليه الآن، فبعض الأفكار تعدت كونها فكرة ينشغل العقل في تحليلها بل أصبحت أسلوبنا وجزءا من شخصيتنا. الانشغال المبالغ بالتفكير في الذكريات وخاصة المؤلمة منها تجعلنا ننعزل عن الواقع وندخل في دوامة الأفكار المحزنة التي من الصعب تجاوزها، والتي بدورها تؤثر على حالتنا النفسية والجسدية، فيصبح الخروج منها أمرا صعبا مع مرور الوقت.
لذا، ولكي تمنع تأثير الذكريات الغير المحببة على حياتك، عليك التخلي عن الأفكار التي تدعم هذه الذكرى.
فعندما تجد نفسك عاجزا عن السيطرة على أفكارك وتجد عقلك متورطا في استرجاع شريط ذكرياتك الأليمة، حاول أن تصرف عقلك عنها وعود نفسك أنه يمكنك التفكير فيها فقط لمدة 10 دقائق لا أكثر.

بعد ذلك الوقت، يجب عليك تحويل عقلك الواعي إلى شيء آخر، ويفضل أن يكون شيئا إيجابيا فالتحكم في أفكارك بهذه الطريقة يمنعك من الانسياق الغير الصحي لها، كما أنه يمنحك فرصة للشعور بالمشاعر المرتبطة بالذكرى السيئة دون أن تكبتها ودون أن تجعلها تنمو في فكرك أكثر من اللازم؛ بمعنى أنك بهذه الطريقة تتعامل مع الألم مرة واحدة وبعقل واع مدرك. لذا من المهم جدا أن تتعلم العيش في الوقت الحاضر والتخلي عن الذكرى السيئة دون محوها من الذاكرة. هذا بالتأكيد صعب ولكن ما نسعى إليه هو تقليل تأثيرها النفسي عليك اليوم، فالعيش في الحاضر والنظر إلى الأشياء الجميلة حولك هو شيء أساسي لمنع ذكريات الماضي من استنزاف حاضرك.

لماذا نضيع أنفسنا في متاهة الانعزال والتقوقع حول الجانب الباهت المعتم فقط من ذكرياتنا؟!
كل ما عليك فعله هو التركيز على حاضرك وعدم السماح لأفكارك وذكرياتك السيئة بأن تسيطر عليك وتأخذ أكثر من حجمها فكلما زادت قوة المشاعر المتصلة بالحدث كلما أصبح رسوخه في الذاكرة أقوى وأكثر عمقا، بل والأمَرُّ من ذلك أن عملية استرجاع الذكريات تصبح تلقائية.

لذا عش في الحاضر لأنه هو الزمن الوحيد الذي نملك مفاتيح سعادته لأننا نعيش فيه، لا تدع الجانب المعتم من أي حدث مهما كان يعيقك عن رؤية شمس الحياة…

ذكرياتنا مهما كانت ستبقى صفحة لا تُمزق حتى لو حاولنا التجاهل أو التظاهر بأننا نسينا، فالذاكرة لا تنسى ولا يمكن محو ما مر عليها من أحداث، قد ننشغل بالحاضر أو يأخذنا المستقبل بعيدا، لكن مهما بلغ بنا الكبر فستبقى بداخلنا لحظات محفورة يصعب نسيانها مهما طال عليها الزمن، فلنجعل من ذكرياتنا السيئة دروسا مستفادة للمستقبل، ولنتذكر دائما كل ما هو جميل وملهم في حياتنا.


الحاضر يجب أن يكون في مقدمة أولوياتنا من حيث التفكير فيه والسعي إلى إصلاحه والتخطيط لمواجهة تحدياته، ولا يصح أبدا أن نتعامل معه على أنه عقبة نسعى للتخلص منه سواء بالهروب للذكريات أو للتقوقع والاستغراق فيها، بل علينا أن نتصادق معه وندرك أنه الحقيقة ونعيش فيه، ولا بأس أن نقوم ببعض الزيارات للذكريات القديمة خاصة بما هو مرتبط بالدروس المستفادة منه، وكذلك لا بأس أن نقوم بزيارات إلى المستقبل من أجل وضع الخطط اللازمة للتحديات القادمة والاستعداد لها، لكن ليس العكس، بمعنى يجب ألا نعيش فقط في ماضي الذكريات، فالماضي موجود لنتذكره وليس لنعيش فيه لأنه انتهى…

حياتك بين الذكريات والنسيان

ابتسام عطالله الرمحين

كاتبة في عدة مجلات و صحف إلكترونية ليسانس ترجمة لغة انكليزية صدر لي كتاب بعنوان من التبرير إلى التغيير