المجلس الوطني لحقوق الإنسان

التنظيم والاختصاص

جاء إحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان لتكريس مسلسل تعزيز دولة الحق والقانون والمؤسسات، وليحل محل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي تم إحداثه سنة 1990 في ظل التحولات السياسية التي عرفها المغرب، ليكون إحدى المؤسسات الرئيسية التي ساهمت في عملية الانتقال الديمقراطي والمصالحة مع الذات في المملكة، خاصة في مجال تسوية ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان لتحقيق أهداف استراتيجية للتجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية. وتعزيز عمل المجلس واستقلاليته ثم إحداث بموجب الظهير الشريف رقم 1.11.19 الصادر في 25 ربيع الأول 1432 الموافق ل 1 مارس 2011.

يعد المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مؤسسة وطنية لحماية حقوق الإنسان والحريات بالمغرب، تتوافق نصوصها التنظيمية مع مبادئ باريس الناظمة لمؤسسات حقوق الإنسان، وتجسيدا لوفاء المغرب بالتزاماته الدولية في مجال حماية حقوق الإنسان، أقر النص الدستوري في الفصل 161 “المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة، تتولى النظر في القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وبضمان ممارستها الكاملة، والنهوض بها وبصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، أفرادا وجماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال”.

يتألف المجلس علاوة على الرئيس والأمين العام، من ثلاثين عضوا (30)، المستوفين للمؤهلات المنصوص عليها في المادة الثالثة والثلاثين التالية، والمنبثقين عن الهيئات والفئات المذكورة أصنافها ومواصفاتها ومعايير عضويتها في المادة الخامسة والثلاثين أدناه. كما يضم المجلس المسؤول عن المؤسسة المكلفة بتنمية التواصل بين المواطن والإدارة، ورؤساء اللجان الجهوية القائمة، باعتبارهم أعضاء بحكم القانون.

يعين الرئيس المجلس بظهير شريف لمدة 6 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. يختار أعضاء المجلس من بين الشخصيات المشهود لها بالكفاءة والنزاهة، والتشبث بقيم ومبادئ حقوق الإنسان، والعطاء المتميز في سبيل حمايتها والنهوض بها.

للرقي بعمل ومهنية هذه المؤسسة الحقوقية وضمان استقلاليتها بأن تكون جزءا من دينامية الجهوية المتقدمة تم منح المجلس الوطني لحقوق الانسان اختصاصات أوسع -وطنيا و جهويا – الشيء الذي يضمن له مزيدا من الاستقلالية والتأثير في مجال حقوق الانسان من خلال مجموعة من الإجراءات المجملة في رصد الانتهاكات وتلقي الشكايات والتدخل بكيفية استباقية والمساهمة في تفعيل الآليات المنصوص عليها في المعاهدات الدولية وزيارة أماكن الاعتقال والمؤسسات السجنية، كما يمكنه بحث ودراسة ملائمة النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل مع المعاهدات الدولية، و يقدم الاستشارة والمساعدة لكل من السلطتين التنفيذية والتشريعية،بالإضافة الى النهوض بها في هذا المجال من خلال المساهمة في ترسيخ ثقافة حقوق الانسان وإشاعتها و التأكيد على قيم المواطنة المسؤولة.

في إطار تكريس لامركزية حقوق الإنسان بالمغرب، يتوفر المجلس الوطني على ثلاثة عشر لجنة جهوية يعين رؤساءها بموجب ظهير شريف حيث تسهر على رصد ومراقبة حالة حقوق الإنسان على الصعيد الجهوي، بتلقي وفحص الشكوى والانتهاكات التي تعرض عليها وإعداد تقارير خاصة ودورية حول التدابير المتخذة لمعالجة القضايا والشكاوى بكل جهة على حدة، كما تتعاون مع الفاعلين المحليين لضمان تنفيذ برامج ومشاريع المجلس، والمساهمة على تشجيع وتسهيل إنشاء مراصد جهوية لحقوق الإنسان.

يتولى المجلس الوطني لحقوق الإنسان تنظيم منتديات وطنية أو اقليمية أودولية لحقوق الإنسان لإثراء الفكر والحوار حول قضايا حقوق الإنسان وتطوراتها وآفاقها. إسهاما منه في تعزيز البناء الديمقراطي للبلاد، يساهم في إحداث شبكات للتواصل والحوار بين المؤسسات الوطنية الأجنبية المماثلة وكذا بين الخبراء ذوي الإسهامات الوازنة في مجالات حقوق الإنسان وذلك قصد الإسهام في تعزيز الحوار بين الحضارات والثقافات في مجال حقوق الإنسان.
يصدر المجلس الوطني تقارير سنوية وموضوعاتية ومذكرات تهم قضايا خاصة. وقد أصدر في هذا الإطار، على سبيل المثال، لا الحصر، تقريرا قدمه السيد رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان أمام البرلمان بغرفتيه وحضور رئيس الحكومة في 16 يونيو 2014، تناول فيه أبرز أنشطة المجلس منذ إحداثه في مجال النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها بالإضافة إلى توصيات من أجل النهوض بالإطار القانوني والمؤسساتي والتدبيري لحقوق الإنسان بالمغرب، وهذا العرض يأتي بدعوة من رئيسي غرفتي البرلمان تطبيقا للفصل 160 من الدستور.

ختاما يولي دستور 2011 مكانة بارزة لحقوق الإنسان. فالديباجة التي تشكل جزءا لا يتجزأ من الدستور تؤكد تشبث المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا. خولت القوانين المحدثة لهيئات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها صلاحيات واسعة، في مجال الإحالة الذاتية، دون أي تقييد، على أن تبدي هذه الهيئات والمجالس رأيها تلقائيا حول مشاريع القوانين أو المراسيم. بموجب، هذه المقتضيات تتمتع الهيئات بصلاحيات التدخل، في أي موضوع وفي كل مراحل التشريع.

يتمتع المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالاستقلالية المالية والإدارية، كما نصت عليها قوانينها التنظيمية إلا أن هنالك بعض النقط التي تجعل منه مجلسا محدودا أقرب منه إلى هيئة مستقلة، فلرئيس هذه الهيئة له سلطة كبيرة، على مستوى جدولة وتحديد أعمال الهيئات وأنشطتها. وتعيينه من قبل الملك دون اقتراح من رئيس الحكومة والمجلس الوزاري، يضع مسألة استقلالية هذه الهيئة عن المؤسسة الملكية موضع شك، مما يفرغ الدستور من محتواه. مع ملاحظة تعيين الأعضاء بالصفة؛ إما بوصفهم ممثلين عن هيئات، وتمثيلية ضعيفة للمجتمع المدني مما يتعارض ويؤثر سلبا في مسألة ممارسة الاختصاصات، وتقييم السياسات العمومية والمساهمة في النقاش العمومي.

التداخل والانسجام الحاصل بين مؤسسات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، يشكل ترابطا عضويا، وتقاطعا وتداخلا، فالصلاحيات المسندة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان وهيئة المناصفة ومكافحة جميع أشكال التمييز مثلا؛ يضعنا أمام تشابه في الاختصاصات مما يجعل الهيئتان تتدخلان في بعض المهام المسندة لكليهما.

المجلس الوطني لحقوق الإنسان

إسماعيل مستاكو

طالب باحث بماستر القانون الإداري وعلم الإدارة