الطلاق .. إلى أين -2-

إشكالية التطليق في مدونة الأسرة

لقراءة الجزء السابق:  الجزء الأول


الفقرة التانية : إشكالية التطليق في مدونة الاسرة
لاشك أن العديد منا لاحظ تلك الطبخة المتنوعة التي اعتمدها المشرع لاخراج مدونة الاسرة الى الوجود ، عبر تنوع المذاهب الفقهية من مالكية وحنفية وحنابلة وشافعية حتى وصل الامر بالمشرع الى الاخد بمواقف من المذهب الظاهري ، ولا شك كذلك أن هذا الامر جاء بعد ضغط لا يطاق من مختلف الفاعليين الحقوقيين اللذين جهزوا كل أعتادهم ومكوناتهم المادية والبشرية من أجل الدفاع عن المرأة وجعلها في مصاف حقوق الرجل ، ناسين أو متناسين أن الحكمة الربانية اقتضت أن المرأة لم تخلق لتساوى بالرجل ” وليس الذكر كالانثى ” الى أن دوافع هاؤلاء لاتعرف من الحكم الربانية الى الخير والاحسان ، فهي دوافعها نفسية مجهزة بكل ما تحمل الكلمة من معنى لاستمالة عاطفة المرأة و الاخد بيدها الى مصاف الحرية والحقوق التي تنادي بها العلمانية لتحريرها ، وكأن المرأة لا حقوق لها في ديننا الحنيف . وهكذا يجب علينا كحقوقيين أن ننبه مشرعنا الرزين والذي نتمنى أن يكون هاته المرة كذلك الى العمل على تعديل عديد المقتضيات والنصوص القانونية في مدونة الاسرة التي تضرب عرض الحائط ما إبتغاه لله في نسله للحفاظ على أسرة هنيئة مطمئنة من مبتغى هاؤلاء المدافعون الوهميون عن المرأة ، والذين مهما طالت مطالبهم فلا بد أن تنكشف مع الزمن . ومن أبرز هاته المطالب تعديل مسطرة التطليق للشقاق وما ساهمت به من تفكك وانحلال الاسرة المغربية وما يصاحب ذلك من تشرد الابناء وضياع حكمة لله التي ابتغاها في سائر العباد، هاته الحكمة الالهية التي جعلت الطلاق في يد الزوج ولم تجعله في يد الزوجة، اعتمدت منطقا دقيقا يستدل عليه بمثل ما قدمت به، فالطلاق بيد الرجل وهو الأقوى في المعادلة، لأن الضرر الواقع على الزوجة هو أكبر بكثير من الضرر الذي سيقع على الزوج، وبما أنه الأعقل في هذه المعادلة والأقدر على التأني والتريث، وبما أنه هو صاحب النظر البعيد، وصاحب المسؤولية الأولى، وهو المؤسس لبيت الزوجية، فإن القرار جعل إليه، فحميت المرأة من تسرعها، وحفظت الأسرة من تقلبات عاطفتها…
حين تصاب المرأة بما أسميه “حمى الزواج” وهي حالة كانت في الماضي تعالج في بيت الوالدين، حيث تقضي فترة قد تصل إلى العام، ثم تعود وتستمر الحياة بعجرها وبجرها، بحلوها ومرها، وبالتالي تصل إلى المرحلة الثالثة في الزواج والتي أسميها “مرحلة الأمل” حين يكبر الأبناء ويصبح الزوجان يرفلان في عز الأبناء والأحفاد، هذه الحمى كانت تعالج في بيت الوالدين، لأن القانون كان متوافقا مع الشريعة، ولم يكن يمكن المرأة من طلب الطلاق إلا بمبررات مقبولة وضرر مثبت، بخلاف هذه المدونة التي جعلت للمرأة حق التطليق للتشهي ، فصارت تنتهي العلاقة بمجرد أن المرأة لم تعد تتحمل هذا الزوج، وهكذا بدون مبرر شرعي ينتهي هذا الزواج، ويجد الأطفال أنفسهم فجأة في أسرة مشتتة، يدفعون ثمن خلاف ليس لهم فيه نصيب، ويعيشون حياة أقرب إلى اليتم بسبب أن أمهم التي لم تعد تطيق ذلك الرجل الذي كان سببا في قدومهم إلى هذه الحياة.
صحيح أن المرأة قد تكون متضررة، لكن الشريعة تضع لذلك ضوابط وحدود، حتى لا نصل إلى الطلاق بالتشهي، وتصبح كل مدعية للضرر مصدقة في دعواها.
ولماذا كل هذا التعقيد، لم تعد تطيقه تطلق نفسها وترتاح…
المشكلة أن المرأة تتضرر بالطلاق أكثر من الرجل وبكثير، فهي الزهرة المقطوفة، والثمرة المأكولة، والبنت التي غادرت بيت أبيها، وهي التي تتحمل تبعات الطلاق لكونها مرتبطة عاطفيا بأبنائها ولن تتخلى عنهم، فتبقى معلقة بقية حياتها بسببهم، بينما ينتقل الزوج من حياة إلى حياة، ويفتح بيتا آخر بعد الطلاق مباشرة، بأسرة جديدة وأولاد آخرين، بينما تنتظر هي حظها إن كان قد بقي لها حظ، وحتى لو جاء هذا الزوج الجديد فإنه من الصعب أن يتحمل أبناءنا من رجل آخر فتجد نفسها وسط معادلة مستحيلة يصعب الخروج منها .
إن هذا الواقع المرير الذي لا تريد المطلقة استحضاره أو تأمله ورفض القبول به هو ما يساعدنا على فهم أسرار التشريع حين لم يجعل أمر الطلاق بيد المرأة، فهي تفكر بمنطق مختلف، وتبحث عن الحل الأقرب، وتنظر إلى المشكلة الآنية فقط، وتتخذ قرارها بمنطق: أرتاح أولا، ثم يفعل الله ما يشاء، وهذا طبع في قرارات المرأة، ولذلك تتمنى الموت عشرات المرات، لأن عقلها يفكر بطريقة آنية، أموت الآن، ثم يكون ما يكون بعد ذلك، وكثيرا ما نسمع أمهاتنا يقلن: سألبس جلابيتي وأذهب إلى حيث لا يعلم أحد مكاني، إنها طريقة التفكير الأنثوية، التي تفكر في الحل العاجل فقط ولا تستطيع أن تفكر في ما بعده.
لقد فكرت مريم ابنة عمران بنفس الطريقة فقالت حين المخاض {يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا} بينما لا نجد في سير الأنبياء من فكر بنفس الطريقة، ومن تمنى الموت هربا من الابتلاء، إنها طريقة خاصة بحواء وبناتها إلى يوم الدين، وهذا التفكير الآني هو ما يجعلها قادرة في الوقت ذاته على تحمل الصعوبات، ويجعلها تبكي في الصباح وتضحك في المساء كأن شيئا لم يكن.
إن الله حين حرم المرأة من قرار الطلاق، وجعله معلقا بلفظ الزوج، وبكلمة تخرج من لسانه هو، قد ركب هذه المعادلة بحكمته البالغة، وبعلمه بطبيعة الرجل والمرأة، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم “إنما الطلاق لمن أمسك بالساق” أي الزوج، ولذلك فإن قلب هذه المعادلة في مدونة الأسرة الحالية، وجعل الطلاق بيد المرأة التي تستطيع أن تبتدئ الإجراءات في لحظة انفعال عاطفي، ولا يستطيع القاضي أن يوقف رغبتها أو يلغي طلبها، هو اعتداء كبير ومشين على فطرة المرأة التي خلقت عليها ، تكون نتيجته حثمية وهي تعريضهن لخطر العنوسة وخطر الشيخوخة دون زوج، وهو من أخطر ما يمكن أن تعيشه المرأة، رغم كل محاولات عقلها أن يبين لها عكس ذلك .
نعم لقد جعل الله للمرأة حق الخلع، وحق طلب الطلاق إن حصل لها ضرر معتبر شرعا، لكن ذلك يحتاج إلى شروط وظروف مختلفة تماما عما هو موجود في المدونة اليوم.
لقد نبه الباحثون والأخصائيون إلى خطر هذه المدونة وإلى الارتفاع الصاروخي في أعداد الطلاق مباشرة بعد تنفيذها، فمن أقل من عشرة آلاف حالة سنة 2004 إلى مائة وعشرين ألف حالة، سنة 2019، كما يمكنهم الرجوع الى الاحصائيات الاخيرة بعد أن اسثئنفت محاكم الاسرة أبوابها في وجه طارقيها ، لنتفاجئ جميعا أن نسبة% 90 من طلبات التطليق صادرة عن النساء وهو الامر الذي ينذر بخطر سيؤدي الى مزيد من الدمار والخراب للاسر المغربية في حالة لم يتذخل المشىرع لحل هاته المعضلة .
اننا نرجوا رجاء في لله لا يخيب أن يصل صوتنا هذا الى كل مهتم بالشأن الاسري ولكل غيور على الاسرة المغربية التي هي الحضن الدافئ لكل صغير وكبير منا بالعمل على تضييق الخناق على المشرع ورفع مزيد من المطالبات والكتابات في هذا الشأن حتى يتذخل لتعديل ما يمكن تعذيله انقاذا للاسرة الوطنية وللطفل المغربي من خطر التشرد والضياع
،فالعمل بالتشربع الرباني الذي تكفل بسن وتنظيم الشأن الاسري لا يدل الى على مدى سعيه لحفظ الاسرة وضمان أقصى ما يمكن للحماية للمرأة ، والاكيد أنها لن ترقى أبدا لمصاف التشريعات والجهات الخارجية العلمانية

خاتمة :
أن المشرع من خلال نصوصه في مدونة الاسرة عمل بشكل غير مفهوم على تبسيط اجراءات التطليق ، فهي المسطرة التي نجد أن يسرها في انهاء العلاقة الزوجية أكثر منه في مسطرة طلب الادن بالزواج ، وهذا ما يعد أمر غير مفهوم وهو ما نقترح على المشرع الى تعدييل مقتضياته وخصوصا مسطرة التطليق للشقاق
نقترح كذلك كما كنا نطالب دائما العمل على خلق دورات تكوينية تثقيفية للزوجين المقبلين على الزواج كما فعلت دولة ماليزيا ،هاته الاخيرة التي عمل رئيس دولتها محمد مهاتير على القيام بدراسة تكشف السر وراء الارتفاع الصاروخي لحالات الطلاق في بلاده ،ليكتشف في النهاية أن أسباب الطلاق تكون في الغالب الاعم بسيطة كان بالامكان حلها عبر طرق أخرى غير الطلاق .وهو الامر الذي عمل على تطبيقه من خلال جعل الدورات التكوينية السابقة الذكر الزامية لكل مقبل على الزواج من خلالها يتم توعية الزوجيين بمخاطر الطلاق وبالحياة الزوجية السليمة كما كان عليها سيد الخلق محمد عليه السلام . وهو الامر الذي أبان مفعوله لتنتقل ماليزيا من دولة تحتل أرقام قياسية في حالات الطلاق الى دولة في حضيض الارقام التي يلجئ افرادها الى انهاء العلاقة الزوجية ،وهو الامر الذي يجب التنويه به والعمل به في جل الدول العربية والاكيد أنها ستنجح في مجتمع مسلم ما يزال يراعي التقاليد السمحاء للزواج كرابطة مقدسة بين الزوجيين . ورسالتي للمرأة بأن توقن أن ما جعله لله لها في تشريعه الحكيم خير وأبقى من كل حقوق دخيلة عليها ترى السمو بها أساسي لتقدمها وتحضرها ، ولهذا قال الله لنا في آخر سورة النساء التي تكلمت عن المرأة {يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم}.

تمت

الطلاق .. إلى أين -2-

Exit mobile version