الحديث المغيب

استوصوا بالنساء خيرا

أيها الرجل، قبل 1400 سنة وما يزيد عن الآن وضح لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث مليء بالعبر طبيعة المعاملة التي يجب أن تكون مع المرأة فقال ” استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج وإن أعوج ما في الضلع أعلاه فإن جئت تقيمه كسرته وكسرها طلاقها وإن استمتعت بها استمتع بها وفيها عوج ‘‘ .

وهكذا فإن إشارة الحديث واضحة إلى ضرورة تحمل الزوج لزوجته والأخ لأخته ثم المرأة على عموم اللفظ؛ فكأن الرسول الكريم يريد أن يوضح لنا أن فطرة المرأة هكذا خلقت عليها ولعل ذلك ما نصادفه في حياتنا من خلال عنادها بأفكارها وأعمالها وما جبلت عليه، إنها طبيعة فطرتها التي خلقت عليها، جسدها الحديث في إشارة واضحة لا بد من الاهتمام بها، حتى نحقق بها ذلك التوازن بين الجنسين على هاته الأرض، جنس الرجال بما وهبه الله من ملكة التريث في قراراته وجنس النساء الذي يتميز بالمعارضة لقراراته وأرائه وطريقة تفكيره، ذلك أن مقياس رجاحة العقل يكمن في قدرته على توظيف هذا الخلق الرفيع في سياسة بيته وأموره مع أهله، كما يقال ‘‘التودد إلى الناس نصف العقل” وإذا كانت الزوجة أولى بصداقة الزوج من غيرها عند الحاجة إليها فإن المداراة من أجود الصداقات وهو ما أشار اليه الرسول الكريم مرة أخرى تأكيدا وتبيانا لما سبق عندما قال :” إن المرأة خلقت من ضلع وإنك إن ترد إقامة الضلع تكسرها ، فدارها تعش بها ”، وهكذا فالمدارات تعبير صادق منه عليه السلام بقوله فدارها تعش بها، وفي هذا الخلق (المداراة) أمر عجيب يحدث بين عقل الرجل وعقل الأنثى، فظاهر ما يحدث أن الرجل حين يداري المرأة يتجاوز نقصا في سلوكها سواء في الفكر أو الخلق، لكن الحقيقة أن ما يحدث هو تكامل بديع بين عقلين لكل منهما نمط خاص في التفكير، بمعنى آخر ما يحدث هو تفاعل لم تكن الحياة لتعرف طعم السعادة والعيش بدونه.

إن هذا الحديث لن يفهمه أولائك المراهقون اللذين اعتادوا على اللقاء بخليلاتهم مساءات السبت على الشواطئ والغدران، فهم لم يعرفوا من المرأة إلا أحسن ما فيها، ولا يصادفونها إلا في ساعات الصفاء بعيدا عن هموم الحياة ومسؤوليات الزوجين الحقيقية التي تظهر في مواقف التكضر والخلافات، وهم أصلا لا يريدونها إلا في هذا المكان وعند هذا الحد بالذات، أما المسؤولية واﻷبناء واﻷسرة والنفقة والإيجار وعناء الحياة بما فيها من حلو ومر، فهذه أمور لا يطيقونها لانها ليست أصلا مبتغاهم أو لم تكن مسعى إدراكهم وفهمهم إنها مفاهيم من المفاهيم اﻹسلامية التي هي السبب في استقرار الاسرة، إنها منهجا من المناهج التي أراد الرسول الكريم أن يفقهنا بها حتى تكون لنا القدرة والمناعة على مواجهتها في مسيرة الحياة الزوجية، فهو لم يكن ينطق عبثا بل وحيا منزلا.

يأتي العلماني إلى هذه الوصية النبوية، ويعرض عن نسق الحديث، ويغمض عينه عن الهداية التي سيقت لها وعن التوجيه النبوي العظيم الذي يجعل الزوج يتحمل من زوجته كل شيء تحت هذا العذر الذي ينسب خطأها إلى طبيعتها النفسية والفيزيولوجية والتي أثبتها العلم الحديث، يعرض عن كل ذلك ويفصل الكلام عن هذا السياق التربوي الرحيم ليقول: كيف تزعمون أن المرأة خلقت من ضلع؟

فهو لم ير في هذا الحديث إلا قوله صلى الله عليه وآله وسلم :خلقت من ضلع أعوج، ولم يروا قوله في بدايته:استوصوا بالنساء خيرا، وقوله : وإن جئت تقيمه كسرته وكسرها طلاقها، ولاتوجيهه للأزواج بالصبر على زوجاتهم بقوله : وإن استمتعت بها استمعت بها على عوج، كما أنه إخبار واضح الدلالة من عدم وجود المرأة الكاملة التي لن يجد معها أي خلاف، وهذا هو مبتغى الحديت وروح رسالته العظيمة.

نعم غاية ومبتغى الحديث أنه إخبار وتيئيس للرجل من تلك الحياة الوردية التي كان يحلم بها، فيقول له إن النساء كلهن هكذا فاصبر على زوجتك فإن الله خلقها بهذه النفسية المتقلبة وهذا المزاج العاطفي الفريد، فإما أن تستمتع بها على ما فيها من عوج أو تكسرها وكسرها طلاقها. أي إما أن تصبر عليها أو تفقدها، فالعوج لا يمكن بأي حال من الأحوال إزالته من المرأة وهو من العبر الخفية والتي تكشف بمفهوم المخالفة من الحديث العظيم، وحتى إن حدث ذلك فسيكون بكسرها وهو ما لا يريده الله ورسوله.

الحديث المغيب

أيوب لعزيري

طالب باحث بسلك الماستر تخصص قانون مدني وتجاري ومهتم بالشأن الاسري وكل ما يتعلق بالاسرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *