رسالة إلى قلبك

حسن الظن من حسن العبادة

عندما خلق الله البشر وأنزلهم إلى أرضه المباركة كان يعلم أن خروجهم من الأبدي الخالد والذي هو الجنة إلى الأرض الفانية سيكون بلا أدنى شك مليئا بالأكدار والمشاكل التي تنغص الحياة وتجعلها جحيما بعدما كانت نعيما.

فقد كانت غاية الله من هذا الإنزال امتحان صبر الصابرين وتعاملهم مع كل شقاء يصيبهم، لذلك نهي المسلم الحق الذي يؤمن بالله ورسوله عن الإعراض عن هذا القدر الذي ألَم به؛ فتجد غيره يقول: كيف لغيري أن يعيش في ذلك النعيم وحياة الرفاه وأنا مبتلى أعيش في مرارة لا تطاق؟ وحتى إن لم ينطق بها تجد أن ضميره الباطني يؤمن بها ويقر الاعتراف لها حتى لو كانت نفسه لا تسمح له بنطقها. لقد نسي المسكين أن الله تنبأ بكلامه وبما تقره كينونته عندما قال {وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} (سورة النساء – الآية 78).

إن فقه الحديث يحتاج الى إيمان حقيقي بالتفاؤل وحسن الظن بالله وانتظار الفرج بعد العسر، ولذلك نحن اليوم أمام معضلة مفاهيم تحتاج الى الشرح أكتر منها إلى المرور مرورالكرام، ومن بين هذه المفاهيم مفهوم حسن الظن بالله. إنه مفهوم معروف عند كل مسلم فلا تكاد تجد من لم يسمع به من صغير أو كبير لكننا لم نحاول أن نتوقف عنده وندرك مبتغاه الحقيقي ورسالته العظيمة في الوجود.

ورد مفهوم حسن الظن بالله في حديث رواه أبي هريرة عن الرسول عليه الصلاة والسلام الذي قال ”يقول الله أنا عند حسن ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني”، فمن حسن الظن بالله أن تؤمن أن ما أصابك ما كان ليخطئك؛ أن إفلاسك سيكون بعده تيسير لك وخير مديد، أن فقدانك لولدك فيه شفاعة لك يوم القيامة بصبرك وشكرك، أن عدم توفيقك في ولوج مهنة كانت هي حلمك بعد أن عملت عليها الليالي الطوال فيه خير ونعيم لك في غيرها، أن مرضك الذي ألم بك فيه جزاء عظيم سيكون سبب لدخولك جنة النعيم لأن لله وعدك بهذا، أن فقدانك لأمك وأبيك وأحبابك في حادث سيكون منعطفا يغيرك به الله من حال إلى حال … إنها جميعا أحداث ومواقف تحمل من الألم الكثير إلا أن الذي يمنحنها فيها الأمل والعزيمة التي تنقذ أرواحنا من ذلك الحزن هو تلك الظنون الحسنة بالله.

إننا يجب أن نوقن أن اليأس لا يقدم حلولا ولا يصنع شيئا سوى مزيد من الآلام والمصاعب التي تدمر النفس والروح.. فعوض أن يكون دافعا للمضي قٌدما تجد صاحبه مايزال في ركود يسهم في تضخيم الصورة السلبية عن نفسه وظروفه وأحواله.. وفي رأيي المتواضع أن كثيرا من الأمراض النفسية التي نعيشها اليوم من قلق واكتئاب ونحوها هو ناتج عن رسم الصورة السلبية عن الذات ومن ثم تضخيمها وكثرة الالتفات إلى الماضي وما حواه من أحوال ربما كانت بالفعل سلبية بدرجة ما.

لأجل هذا، رسالتي لك أن توقن أن الله الذي خلقك من عدم بعد أن كنت لا شيئا قادر على أن يغير حالك ويرشد سبيلك، وتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الحزن مما يستعاذ منه، لما يسبب من إضعاف للقلب، ووهن للعزيمة، وإضرار بالإرادة، كما أن الشيطان من أحب الأعمال عنده حزن وتوقع من الله السوء والمصيبة كما قال الله {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا’} (سورة المجادلة – الآية 10).

رسالة إلى قلبك

أيوب لعزيري

طالب باحث بسلك الماستر تخصص قانون مدني وتجاري ومهتم بالشأن الاسري وكل ما يتعلق بالاسرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *