المال بدون عطاء سعادة أم شقاء

زينة الحياة الدنيا، فكيف نستغلها؟

هي أم أرملة مرض ابنها تطلب علاجه قدرا لا حول ولا قوة لها به كي توفره لعلاجه، للأسف أصبحت الأم ثكلى حتى أصابها العمى من شدة حزنها.

هو شاب شديد الحيوية والطموح رغب في إتمام دراسته بالخارج لكنه لم يحصل على منحة وعجزت الأسرة عن تقديم ما يتطلبه تعليمه من مصاريف هناك خارج الوطن.

سجن ظلما وتطلبت براءته غرامة خيالية لانتشاله من براثن زنزانته، فكان من المستحيل إنقاذه.

حصل بين الزوجين طلاق بسبب كثرة المتطلبات واحتياجات الأسرة الكثيرة العيال، بسبب عجز الزوج عن توفير الكفاف واللوازم.

انتشر البلاء وكثرت البطالة وجاء عيد الأضحى واقترب الدخول المدرسي، غرقت الأسر في الديون، وطالبت الأبناك بمستحقاتها، فعجز الزبناء عن التسديد، كثر العويل والصراخ وفقدت العائلات صبرها وأسرعت نحو الشوارع قصد الاحتجاج والمطالبة بالحقوق. في مرة وأنا أعثر على فيديو تحكي فيه سيدة مطلقة وأم لثلاثة أطفال صغار معاناتها وسط هذه الجائحة قائلة:” أنا نادلة في الحفلات والأعراس وها هي السلطات قد منعت هذا العمل بسبب الوباء ومنعت علي رزقي ورزق أولادي ترى أين البديل؟ سوف أنتحر ولتتكلف هذه السلطات اللعينة بأولادي”.

خرج أب إلى الشارع يولول ويقول بأعلى صوته: “من أين لي نقودا كي أعول أسرتي وأوفر الدواء لزوجتي المريضة، والحليب لرضيعي الحديث الولادة؟”


مآسي وآلام ولا من يحرك ساكنا وما من قلوب رحيمة. صور واقعية من قلب الأحداث وما ذكرت منها سوى القليل المؤلم وما زال هناك ما لا يقوى قلمي على سرده وتدوينه.

هذه فقط نماذج رأيتها بأم عيني وسمعت عنها وشاهدتها عبر مواقع التواصل أو ربما هي ظروف نعيشها معا ونتقاسمها نحن معشر العائلات والأسر.

مرة اختلفنا أنا وأحد أبنائي ونحن نتناقش حول موضوع جد مهم في الحياة فقلت له إن المال له يد في خلق السعادة أو قل على الأقل هو يمسح دمعة التعاسة فأجابني ولدي الحبيب: “لا يا والدتي يمكننا أن نخلق السعادة فقط من لا شيء”. وتذكرت حديثنا اليوم ونقطة الخلاف التي وقعت بيننا في هذا الموضوع فامتلأ رأسي بالتساؤلات وحرت كثيرا في البداية… وحدثت نفسي قائلة: “السيارة لا تمشي بدون وقود؟ الرضيع لا يسكت إذا لم ترضعه أمه وإن نحن لم نوفر له الحليب؟ العصفورة تلد وتترك صغارها في العش وتسافر بعيدا لتعود إليهم بالقوت، وحين يشتد عظمهم وتشيخ أمهم يرحلون هم أيضا بحثا عن احتياجاتهم بأنفسهم.

الطفل كي يتعلم من اللازم أن نوفر له لوازم الدراسة والتمدرس وإلا سوف ينحرف ويضيع؛ الزواج حتى ولو كان بسيطا علينا أن نفرح العروس وأهلها ولو بأبسط الأمور.

الحقل كي يصبح مخضرا يحتاج إلى ري وجهد وسماد كي لا يضيع اخضراره ورونقه، البيت أو ربما حتى الكوخ إذا كان فارغا لا نقِل إليه احتياجاته فسوف يعتبر مكانا مهجورا لا ساكنة فيه وإذا مكث خاليا دون عناية أكيد سينهار ويصبح مجرد خربة موحشة.

وعدت بذاكرتي إلى الوراء وتساءلت بعيدا عن هذا الموضوع: “كان رسولنا الكريم صلوات الله عليه وسلامه فقيرا يشد الحجر على بطنه من شدة الجوع، وقد اختبره ربنا الكريم في العديد من المواقف فاستجاب وصبر وتجلد”، لكن في نفس الموضوع تساءلت وربما أكون مخطئة في الإجابة شخصيا على تساؤلاتي: “إن الحروب التي قادها الرسول الكريم صلوات الله عليه وسلامه كلفت كثيرا لكن كان نتاجها غنائما وعتادا ساعد بإذنه الله تعالى على النصر والفوز إذا فالحرب يلزمها دعم وذخيرة ولولا ذلك فهي تبوء بالفشل”.

وعدت بمخيلتي إلى صور أخرى منها حين آخى الرسول الكريم صلوات الله عليه وسلامه بين الأنصار والمهاجرين فأصبحوا قوة واحدة تدافع عن الدين والوحدة الإسلامية لدرجة أن الأنصاري وهو من المدينة -يثرب قديما- يرث من المهاجر -وهو الذي هاجر من مكة إلى المدينة- بفضل التآخي الذي بينهما، وهذا التآخي أنزل فيه الله تعالى الآية التاسعة من سورة الحشر والتي تقول: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} صدق الله العظيم. هذه النقطة بالضبط جعلتني أعود بذاكرتي إلى النقاش وإلى الجواب عن السؤال الذي لطالما اختلفنا فيه أنا وابني، يعني هل المال يخلق السعادة؟

ظلت سفينة أفكاري وأشرعة تساؤلاتها تلعب بها الرياح إلى أن رست بمرسى اعتبره عقلي هو الفكرة الثاقبة والطريق القويم لكل امرئ صالح إن هو سلكه نجح وأسعد به الكون كله. وهل هناك أروع وأجمل من كلام الرحمان تعالى؟ وهل هناك أقوم وأصلح من سيرة نبينا الكريم عليه أفضل الصلوات والسلام والله لو كان كل المسلمون ينهجون دستور الله ويقتدون بسنة نبيه الكريم لعدنا من جديد إلى أوج ازدهار الأمة الإسلامية والتي لا يخشى في الحق أبطالها وقادتها الشجعان لومة لائم، بل كانت لها هيبتها وكانت شامخة مهابة بانتصاراتها ودوما متأهبة لصد هجومات العدو الغاشم.

استنتجت من خلال تساؤلاتي بعد أن سكن عقلي في بر الأمان، أن السعيد بالمال هو من يؤثره على نفسه كما ورد في كتاب الله، وينفقه على غيره أمثال أولئك الذين ذكرتهم في بداية ما سطره قلمي، لأن المال تكتمل جماليته بلذة العطاء والإحسان. إن المال يخلق السعادة إن نحن تعلمنا كيف نتقاسمه دون بخل بين أهلينا وذوينا وإن نحن تربينا على الإحسان والمودة والرحمة والإيثار، أجل الإيثار هو ما ورد في كتاب الله عز وجل حتى وإن كنا مخصوصين ومحتاجين، لأن الإيثار يعلمنا التضحية والتراحم فيما بيننا ، الإيثار يعلمنا معنى السعادة وهو يغسل قلوبنا وقلوب غيرنا من الضغائن والحسد، فكما يحسن الله إلينا علينا نحن أيضا بل من الواجب أن نحسن إلى مخلوقاته.
خلاصتي في موضوع المال وعلاقته بالسعادة إذن هي كالتالي:

ارض بالقليل واقتسمه مع غيرك فسوف تغمرك السعادة وأنت تقوم بعملية العطاء، ومن دعمته اليوم بمالك يدعمك غدا أو في الحين بحبه وعطفه، ولا تنس أن الجزاء والسعادة الكبرى هي من خلق العاطي والقابض، المحسن والمحسن إليه.

أختم تدوينتي بقول الله تعالى الكريم الصادق في الآية 97 من سورة النحل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} صدق الله العظيم.

فبالإيمان وبالعمل الصالح الذي هو الإحسان والإيثار والعطاء، تحلو لكل امرئ الحياة وينعم بسعادة ماله عكس من يكنز ويخشى على الثروات، فتظل حياته ضنكا بل ويرحل تاركا وراءه ذلك المال يستمتع به غيره، إلى مصير لا هروب منه وهو كما ورد في قوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ} (الآية 124 من سورة طه)؛ صدق الرحمان حين لخص لنا مفهوم الحياة في هذه الآية.

في النهاية أقول لفلذة كبدي والذي اختلفت معه في الرأي، عفوا ولدي لا أوافقك رأيك لكنني أحترمه، ولكل واحد في هذه الدنيا مفاهيمه وآراؤه الخاصة به والتي قد تتوافق أو تختلف مع غيرها من الآراء.

المال بدون عطاء سعادة أم شقاء

Exit mobile version