لبيروت

عزاء لجبال بعلبك الشامخة وشجر الأرز الضارب في عمق التاريخ

يا ست الدنيا يا بيروت..
قومي من تحت الردم كزهرة أرز نيسان
قومي من حزنك
إن الثورة تولد من رحم الأحزان
قومي إكراما للغابات
وللأنهار
وللوديان
قومي إكراما للإنسان …

نزار قباني

لبنان بلد الجمال والبهجة والرقي والثقافة، بلد تغنى به العديد من الشعراء والأدباء والفنانين وأنجب العديد من المفكرين والعظماء كجبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي وميخائيل نعيمة وفيروز ووديع الصافي. بلد يتميز بموقعه الاستراتيجي حيث يقع بين الشمال الأوروبي والجنوب العربي والشرق الأسيوي والغرب الإفريقي وموقعه هذا كان السبب الرئيسي في النزاعات وتعدد الثقافات به؛ وعرف أيضا بتعدد الحضارات التي توالت عليه كالحضارة الفينيقية والرومانية والبيزنطية والأتراك العثمانيين والاحتلال الفرنسي.
بالإضافة إلى هذا، يعد لبنان عاصمة الفن والأدب في العالم العربي لكن المؤسف هو ما عاشه وما يعيشه من حروب ودمار وانتهاكات ومشاكل اقتصادية وسياسية عديدة، ليس هذا فحسب بل انفجار أمس الثلاثاء الرابع من غشت 2020 يعد من أقسى ما مرت به بيروت حتى اليوم ..

ليست بيروت هي العاصمة العربية الوحيدة التي تعاني من هذا التشتت والهشاشة والتفرقة والحروب والحيف، فدمشق كذلك وبغداد أيضا وطرابلس والعديد العديد من المدن والعواصم العربية التي كانت منبعا لحضارات كبيرة وكان يضرب بها المثل في الازدهار والتقدم والسيادة والسلطنة والقوة سواء الاقتصادية أو السياسية وكانت مرتعا للنبغاء والعظماء وأساس انبثاق الحضارة والعلوم، فأضحت اليوم مجرد خراب وركام وشتات مدن فقدت بريقها ورونقها فأصبحنا نرثيها بدل الإشادة بها.. مدن وبلدان تعاني تحت وطأة الحروب أو القصف من مختلف الجبهات والجهات، مشاكل داخلية لا تعد ولا تحصى ونزاعات خارجية تريد النيل من كل البلاد العربية. فإلى أين نحن ذاهبون كأمة عربية ؟ وما مصير شعوبنا؟ من كارثة إلى أخرى ومن فاجعة إلى فاجعة أكبر منها ومن حروب لا يكاد يخمد وطيسها حتى تضطرم شرارة حروب أعتى منها…

أصبحنا نعيش في بلدان مهترئة بقرارات عشوائية ومصير مجهول مغطى بضباب لا ينقشع.. أصبحنا كشعب عربي ننزف ألما لما نشاهده ونعايشه من مأساة لا تنتهي وقلوبنا تبكي دما لما نراه ونعانيه من ظلم واغتصاب للحقوق وانتهاكات ودمار، فغدونا كمن يصرخ بدون صوت و أصبحنا نشعر أنه لم يعد باليد حيلة لبلوغ ما كنا نطمح إليه كشعوب عربية بل غدا معظمنا يتسابق مع الزمن فقط من أجل لقمة العيش وأصبح منى العديد منا أن يعيش في أمانا دون حروب وقصف وانفجارات تؤرق مضجعه وتجعله بين ليلة وضحاها مشردا بلا مأوى أو بلا عائلة.. الكل أصبح يدعو ويطلب من الله أن يعيش في سلام دون أن يستيقظ يوما ليجد بلده قد حل بها أمر لم يكن في الحسبان

فماذا بعد أن تهدم عواصمنا؟ ماذا بعد أن نفقد حضارتنا وثقافتنا وهويتنا العربية شيئا فشيئا؟ أي مستقبل ينتظرنا كأمة عربية عانت من الظلم والحرمان والجبروت والطغيان لسنين عديدة؟
ماذا بعد أن نفقد معالمنا وآثارنا وتراثنا وعراقة بلادنا العربية؟ أي تغيير سيحل بنا ونحن أصلا أصبحنا أمة مهزوزة تفتقد لمعنى العروبة وتعاني من ازدواجية فكرية وعقائدية بل وازدواجية على جميع المستويات ..؟

قلوبنا ودعواتنا مع ضحايا فاجعة بيروت وقلوبنا أيضا مع الأمة العربية ككل؛ الأمة العربية التي أهينت بما فيه الكفاية، ولا يسعني القول سوى لك الله أيها الشعب العربي

لبيروت

Exit mobile version