العنف الرمزي وتأثيره على حياة النساء -2-

ما أكرمهن إلا كريم

لقراءة الجزء السابق:

الجزء الأول

إذا ما تم الغوص في الدواخل الخفية للمجتمعات على المستوى الثقافي والإنساني إن صح القول نجد أن العنف الرمزي والذي يعتبر من أخطر أنواع العنف على الإطلاق تبعا لكون آثاره غير بادية للجميع والضحية في غالب الأحيان تكون من جنس الإناث يجتاح مختلف الأوساط والبنى الاجتماعية ابتداءا من أصغر خلية والتي هي الأسرة إلى المؤسسات الكبرى … فضلا عن أن خطره الأساسي يمكن بشكل خاص في أن مرتكب هذا العنف ينفلت من العقوبة لغياب أي أدلة و حجج تثبت أنه قام بفعل العنف، و الخطر الأكبر يتمثل في قبوله من طرف النساء والرضى به وكأنه أمر طبيعي، فيتم دس السموم في عقولهن مذ نعومة أظافرهن بكونهن واجبهن يحتم عليهن أن يوافقن على أي سلوك أو فعل يوجه إليهن من طرف الذكور وإلا سيتعرضن لأقصى العقوبات؛ فكرامة الفتاة وشرفها وأخلاقها يتعلق بصمتها ورضوخها للسيد الرجل وكذا إعطاءه الحق في أخذ القرارات المصيرية الخاصة بها وحدها مكانها والاختيار في كل ما يخص تفاصيل حياتها الشخصية كالزواج حيث يتجلى تعنيفها رمزيا في القبول بأول من يطرق بابها خاصة إن اجتازت عتبة الثلاثين سنة بغض النظر عن مواصفاته أو خصاله وتعتبر عاقة وذات أخلاق ذميمة إذ هي عارضت هذا الزواج وأحيانا لا يكون لها الحق حتى في أن تعارض او تخالف من يقال بها من طرف ولي أمرها أو أحد أقاربها لأنها تعلم يقينا حجم العقوبة التي تنتظرها، ثم لا يمكن غض الطرف عن واحدة من أكبر تمظهرات وتجليات العنف الرمزي التي يمارسها المجتمع ككل على الفتاة والأنثى بشكل عام في موضوع ” التحرش الجنسي ” فقد مررت بالكثير من القصص التي ترويها فتيات من مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية حول تعرضهن يشكل مباشر أو غير مباشر لآفة العصر – التحرش الجنسي– و لكنهن رغم ما تعرضن له من أذى وصدمة كبرى وآلام نفسية جسيمة إلا أن غالبيتهن يرفضن التبليغ عن المجرم ويفضلن التستر عنه والالتزام بالصمت وكأن شيئا لم يحدث ولا يحدثن بجريمته الشنعاء حتى لأقاربهن لأنهن يعلمن بالتأكيد أنهن إذا ما قمن بذلك فالمجتمع سيعيبهن ويلفق لهن أسوء التهم ويتم المساس بأخلاقهن وسمعتهن وجلب العار لأسرهن في حين أنهن لسن إلا ضحايا ووجب عليهن الدفاع عن أنفسهن والخروج من قوقعة الصمت والاستحياء حتى يسترجعن حقهن وحتى يخلصن المجتمع من المرضى النفسانيين والمجرمين، وكذا يساهمن في رقي وسطهن الاجتماعي وتقدمه بالقضاء غلى عقلية الجهل والقمع الذي لا معنى له.

إن للعنف الرمزي آثار مدمرة على صحة المرأة فجراء تعرضها له تقوم بجلد ذاتها وعقاب نفسها بجل أنواع العقاب، وحرمانها من أبسط متع الحياة مما يزيد الطين بلة وتنغلق على ذاتها وتتألم في صمت مما قد يفاقم من حالتها الصحية لدرجة وضع حد لحياتها.

إن من الحقائق التي تدمي القلب هو أخطر ما في العنف الرمزي أنه يحدث بتواطئ الضحية أي أن المرأة تشترك مع جلادها في ممارسة العنف عليها وذلك مرده أساسا إلى التنشئة الاجتماعية التي تم من خلالها تمرير رسائل خاطئة للمرأة مفادها أنها يجب أن تقبل بكل السلوكات والأفعال و لأقوال التي يتم توجيهها لها من طرف الرجل لأنه بحسب العادات الرجل أعلى قيمة و شأنا منها ومن ثم تطلب أن تنفذ الأوامر وتصبر عن كل ما تتلقاه منه، ثم لا ننسى أن للإعلام دور في ذلك وكذا الأمثال الشعبية والتقاليد المجتمعية الهالكة التي أضحى تأثيرها ساريا للمفعول إلى يومنا هذا؛ فكل هذه العناصر مجتمعة تصور الفتاة على أنها عورة ومخلوقة من ضلع رجل وبالتالي فهي تابعة له وهو المالك الوحيد لزمام أمورها وحياة المرأة الخالية من الرجل هي حياة بائسة ولا معنى لها وتبقى مسكينة تلك السيدة التي لم يقدر لها الزواج على سبيل المثال …، و من ثم يتم تكريس الهيمنة الذكورية على المرأة وتقوم هذه الأخيرة بناء على ذلك بقبول أي سلوك يبخس من قيمتها وتقتنع فعلا أنها كائن ضعيف وليس بمقدورها التمرد على المعتاد بل وجب أن تقبل بكل ذلك وعن طيب خاطر حتى لا يتم زجرها و إذلالها.

وفي نفس السياق يؤكد بورديو أن العلاقات وبما فيها القرابة مصممة لخدمة قبول المرأة والإذعان لتصورات الذكر حيث تنفذ هذه الأفكار استعدادات في الجسد المطبع اجتماعيا وتعيش في منطق العاطفة أو في منطق الواجب أي أن قبول المرأة في مؤسسة الزواج على أنها متاع رمزي يكرس لقيم وبنى الهيمنة.علاوة على ذلك تؤكد المفكرة والكاتبة المصرية نوال السعداوي في كتابها ” عن المرأة و الدين والأخلاق “ أنه حسب القيم الطبقية الأبوية السائدة لا يصلح للمرأة أن تتعاطى السياسة،أو تخرج إلى الشارع في المظاهرات مثل الذكور؛ فهي أنثى حرمة، يجب صيانتها وحمايتها داخل البيت..، وإن خرجت إلى الشارع فهي تعرض نفسها للانتهاك بواسطة الرجال، تصبح امرأة مهتوكة العرض،تفقد سمعتها وكرامتها وشرفها واحترامها، أما زميلها الرجل الذي يخرج ويشارك في المظاهرات فلا أحد يتهمه بانتهاك العرض بل قد يصفق له و يتم الإشادة بفعلته ويعتبر في نظر الجميع بطلا ثوريا يمارس حقه المكفول به من قبل الدستور والقانون.

زيادة على ماسبق فإنني أجد إحدى أهم تمظهرات العنف الرمزي هو ذلك الهوس الشديد بالجسد وتوجيه بوصلة الاهتمام إلى الجمال الخارجي بحيث أنه بسبب ضغط المجتمع وكذا التنشئة الاجتماعية الخاطئة كما سبق الإشارة إلى ذلك صارت المرأة تختزل في شكل الحواجب وحجم العيون ونوعية الشعر والقوام …و بالتالي بات جل اهتمام الفتيات يتمركز على هندامهن وتغيير أشكالهن حتى تناسب معايير الجمال، وطبعا كل ذلك مرده إلى أن المجتمع يرغمهن على العناية فقط بقالبهن و يعنفهن رمزيا بواسطة عدة وسائط وآليات كالإعلام و الثقافة السائدة عموما التي تجعلهن لا تكترثن لما هو أهم و يغظن الطرف عن ما هو أساسي وتوجيه العناية التامة له أي بالجمال الخارجي جمال العقل والروح.

إن المرأة هي نصف المجتمع وهي منبت الرجال ومنشأ الأبطال كما يقال وبالتالي فيجب الوعي بكينونتها الخاصة وأنها إنسانة كغيرها من البشر مثلها مثل الرجل تماما ووجب إعطائها كل حقوقها واحترامها وجعلها تعتلي أعلى المناصب والمراتب الاجتماعية دون عرقلة مسيرتها بسلوكات لا أخلاقية تمس بكرامتها مبادئها ،كما لا يمكن غض البصر على أن لها يد في انتشار العنف الرمزي بالأساس الذي يمارس عليها من طرف الرجل خاصة والمجتمع بشكل عام ومن ثم وجب عليها أن تدرك تمام الإدراك وتتصرف بنفسها ولا تسمح بأن يتم وضعها في مرتبة دونية و لا تليق بصفتها كإنسان مكرم وكامل الحقوق.

العنف الرمزي وتأثيره على حياة النساء -2-

حسناء المرابط

مدونة مغربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *