عن الفيسبوك نتحدث

انطلق في الرابع من يناير 2004؛ كانت فكرة الفيسبوك بسيطة جداً في البداية، فقد كان مشروع التخرجِ للطالب مارك زوكربيرغ، وكانت فكرته الربط بين طلبة جامعة “هارفارد” فقط للتواصل فيما بينهم، ثم بعدها تم انضمام كليات بوسطن بالإضافة لجامعة إيفي ليج، ثم أصبح متاحاً للعديد من الكليات في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأصبح متاحا للجامعات ويتواصل من خلاله الطلبة، ثم تعمم على سائر أنحاء العالم… وسنة بعد سنة، تزايد أعداد المنخرطين في الفضاء الأزرق إلى أن أصبح شبه معمم في ربوع الكرة الأرضية، حيث وصل عدد المستخدمين النّشِطين سنة 2018، أي بعد 14 سنة من ظهوره، إلى حوالي 2.2 مليار مستخدم شهريًا و 1.4 مليار مستخدم نشط يوميًا حسب إدارة الموقع.
أصبح، بكل اللغات، فضاءً لنشر الصور والفيديوهات وشرائط البثّ المباشر (Live)، وتقاسُم لحظات الفرح عبر أزرار خاصة بأعياد الميلاد والنجاح في العمل والدراسة والزواج والخطبة والولادة والأسفار… بل حتى لحظات الحزن والوفاة.. فأصبحت التهاني والمعايَدة والمواساة عبر التعاليق والإعجابات (Likes) ، وقد تكتفي فقط بالفايسبوك كوسيلة دون الحاجة إلى الزيارات المباشرة أو المكالمات الهاتفية..



في مواضِع أخرى، لعب الفايسبوك دورا مهما في تناقل الأخبار ونشر الفيديوهات التي لا تُنقل في القنوات العمومية والجرائد الورقية… فكان له الدور الكبير في ما سُمي “بالثورات العربية” في مصر وتونس وغيرهما عبر تناقل الأخبار وتحديد مواعيد اللقاءات والتجمهرات الشعبية ونشر الخطابات الحشدية بين عموم الناس… وفي محطات أخرى من إضرابات واحتجاجات عبر العالم… الفايسبوك جعل  كل فرد في المجتمع قادرا على نشر مادته كمراسل صحفي مقالا وصورة ورأيا..

هذه الأدوار التي لعبها الفايسبوك جعلت منه عالَما بحد ذاته وحياةً افتراضية تلِجُها بزر الدخول على الهاتف أو الحاسوب لتعيش مع أصدقائك الافتراضيين داخل خيمتك الفايسبوكية، تستقبل فيها الزوار بالإعجابات والتعاليق، وقد تتسامر معهم بالمحادثات الخاصة أو المجموعات تناقشون مواضيع الكرة والطبخ والتربية والحمل ونمو الأطفال والفن والأدب والأخبار والأثاث والديكور، وكذا البيع والشراء أيضا… فلَم تعد بحاجة للاتصال الحي أو المكالمات الهاتفية… فقد تغنينا الحياة الفايسبوكية الافتراضية لساعات عن الحياة الواقعية وهذا حال فئات كبيرة من المجتمع خاصة المراهقين بل والراشدين على السواء… ناهيك عن ظهور شخصيات فايسبوكية تحصد المئات والآلاف من الإعجابات والمتابعين عبر صناعة الأحداث (Buzz). هذه الشخصيات التي قد لا يُسمع لها أثر في الحياة الواقعية اللهم انغماسها في فضاء الفايسبوك والتعاليق الهوليودية التي تصنع منها نجوما لامعة في سماء الفضاء الأزرق… بل أضحى مرتادو الفايسبوك في محاولات يومية لتلميع الحسابات الشخصية من خلال اختيار أحسن الصور ومن خلال البحث عن جمع الإعجابات والتعاليق الرنانة ووضع بعض المنشورات الجميلة الحالمة التي تُسَوّق لحياة وشخصية وصورة وَرْدية عن الشخص…

من ناحية أخرى، نجد أن هذا الفضاء المجّاني يستقطب مختلف الفئات العمرية، فليست هناك رقابة على سن استعمال الفايسبوك، اللهم تاريخ الميلاد المحدّد في 13 سنة، والذي يمكن فبركته بسرعة عبر الضغط على بعض الأزرار، مايجعل أعدادا كبيرة من الأطفال عبر العالم عُزَّلا أمام الابتلاع اليومي لشبكة الفايسبوك المترامية الأطراف..
فهل يقف الأمر عند هذا الحد أم ستتحول الحياة إلى جدران فايسبوك في السنوات المقبلة.. وهل من دراسات في علم الاجتماع وعلم النفس حول تأثيرات هذا الفضاء الأزرق على الفرد وعلى المجتمع وقيَمِه وطريقة العيش والتواصل..

الفايسبوك لم يعُدْ تطبيقاً فقط؛ بل أصبح ظاهرة تحتاج لدراسة ورؤية كاملة من زوايا نظر متعددة.

رجاء طانجي

مهندسة دولة، مهتمة بالتدوين