في الفشل قوة

الضربة اللي ما تقتلك تقويك

لا زالت حياتي وأنا في مرحلة المراهقة تمر أمام عيني كشريط سينمائي نقشت صورة في مخيلتي أتذكر تفاصيلها بكل جزء منها سواء أكان بسيطا مهما أو ربما يكون غير مهم بالنسبة لغيري.

كنت سأجتاز امتحان البكالوريا وكانت ظروفي العائلية جد قاسية تؤثر على فكري ونفسيتي وتجعلني لا أركز في دراستي بل وتعيق عني عملية الفهم والاستيعاب، لكن طموحي وحلمي كانا لدي أكبر وأهم من كل عائق أو حاجز.

وصل اليوم الموعود وكان الزمن وقتئذ الثمانينات، وكان الوقت صيفا، وكنا سنجتاز أنذاك امتحان الدورة الأولى، لم أجد صعوبة في اجتياز كل المواد ما عدا مادة الرياضيات فقد كنت ضعيفة فيها ولا أحصل على نتائج مرضية رغم أنني كنت أدرس ساعات إضافية وأبذل كل ما في جهدي كي أحصل على النقطة التي يمكنها أن تسمح لي باجتياز الامتحان السنوي والولوج إلى الجامعة والتي كانت حلمي.

اجتزت الامتحان وهاجس بداخلي يخبرني بأنني لن أنجح وذلك لأنني كنت أعلم داخل قرارت نفسي أنني لم أجب كما ينبغي على أسئلة الرياضيات.

ظهرت النتائج وكانت في ذلك الزمان تظهر أول ما تظهر على الصفحة الأولى من الجرائد الوطنية، وكان والدي -رحمه الله- هو أول من علم بخبر رسوبي، دخل المنزل وهو يلعن ويولول ويوبخني قائلا إنني لم أستحق حتى الدورة الثانية.

لم يكن الرسوب هو همي بل كنت حزينة لأنني أعرف أن ظروفي القاسية هي سبب رسوبي لكنني كنت عاجزة عن التفوه بذلك بل لم أكن أتجرأ عن البوح بما يخالج صدري أو أشير للأسباب التي تعيق رسوبي وعدم تمكني من النجاح أو حتى اجتياز الدورة الثانية للبكالوريا.

قررت أن أكرر السنة وأنا كلي إلحاح وأمل، كنت أرغب في النجاح بالدرجة الأولى لأبين لعائلتي بأنني كائن له قدرة واجتهاد، كنت أتمنى أن أسعد والدي وأوضح لهما أنني ابنتهما المجتهدة، والتي تمنحهما كل الفخر والسعادة. باءت محاولتي بالفشل للمرة الثانية، ولكن بارقة الأمل لم تفارقني إلى أن اجتزت امتحان الدورة الثانية من العام الثاني وفعلا كللت بالنجاح وحالفني أخيرا التوفيق.

إن الفشل يمنح المرء القوة وكما نقول بأسلوبنا الدارجي:” الضربة اللي ما تقتلك تقويك”. أجل إن الفشل هو في أصله نجاح لأنه يهديك إلى معرفة سبب وقوعك في الخطأ، وبذلك يمكنك من التشطيب عليه ووضع ما هو معقول ومناسب في مكان الخطأ. لذا ومن خلال تدوينتي هذه أردت أن أنصح وخصوصا أولياء الأمور أن لا يعتبروا تراجع أبناءهم أو رسوبهم فشلا، بل عليهم أن يرفعوا من معنوياتهم وأن يشجعوهم كي يستعيدوا قواهم ويشعروا بدعم وارتفاع معنوياتهم، حتى يفجروا ما لديهم من قوة ونشاط، عوض أن يجعلهم توبيخنا يعيشون في دوامة الإحباط والإهانات، من الواجب أن نجعلهم يستمدوا طاقاتهم من تشجيعات أولياء أمورهم الذين هم بمثابة الدافع الأولي والرئيسي الذي يعيد للأبناء حماسهم ويشجعهم على المثابرة والسير نحو الأمام. إن التشجيع الحاصل من الآباء والأمهات تجاه فلذات أكبادهم وقت اجتياز امتحاناتهم هو عبارة عن شعلة النور التي تنير لأولادهم سبل النجاح وهو ليس فقط تشجيعا بل هو السباح الذي ينقذهم من براثن الغرق، إن تفهم أولياء الأمور وأخذهم بأيادي أولادهم بكل حب ورحمة ومودة هو كالمنقذ الذي ينتشلهم وهم على شفا حفر الضياع.

لذا فلنغير أساليبنا من تأنيب وتوبيخ إلى تشجيع ودعم، كي لا نجني عوض ما نعتبره فشل أبنائنا ضياعهم وكرههم لنا وللأبد.

في الفشل قوة

نادية حجاج

ربة بيت، مدونة مغربية قاطنة بالديار الإسبانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *