لسنا بتلك الملائكية كما تظن

هل نحمل فعلا أرواحا سامية ونيات صافية؟

نواسي أنفسنا بفكرة أننا لطفاء ونحمل نية صافية وظنونا بريئة، ولكن…


من الجيد فعلا أن نكون كذلك، لكن لا أظن أننا حقا كذلك، بل من الأرجح أننا نعيش في رؤية مزيفة وكذبة نؤنس بها أنفسنا لجعل ذلك الضمير نائما وهروبا من الحقيقة المرة. تلك الكذبة هي بمثابة وشاح مطرز بخيوط بهية نلقيه فوق جلدنا، لكن ما تحت ذلك الوشاح شبح شرس وشرير، نعم شبح!! لأن ما نراه في أنفسنا ليس هو الحقيقة لذواتنا.

نحن البشر مكسوون بالجلد، والإنسان يغير جلده ويتقلب فيه من حين لآخر. نحن البشر نحمل تحت ذلك الجلد أمورا خبيثة؛ قد ترفض ما أخطه لكن ستتقبل الحقيقة يا عزيزي عاجلا أم آجلا! واللحظة التي تظهر فيها حقيقتنا العميقة ومعدننا الحقيقي هي اللحظة التي سيكون فيها الإنسان حرا، هي لحظة اختيار حر لا مقيد ولا قوة عليا عليها ولا ضغط يحكمها؛ هي اللحظة التي يستيقظ فيها ذلك الشيء الخفي الذي كنا نسعى لعدم إيقاظه خوفا من اللوم اللامتناهي وجلد الذات القاسي وخوفا من أحكام الغير، نصده كي لا يرى الناس حقيقتنا المرة، ألا وهو الضمير.. أجل، الضمير هو أحكم الحاكمين وأعدل العادلين.

وفي لحظة اختيار حر يظهر المعدن العميق لذواتنا، وهو معدن حقيقي لا يحمل ذرات التنكر أو النفاق. في هذه اللحظة يرفع الرقيب عصاه ويغادر الحسيب ويبقى الإنسان حرا طليقا، وحينها ترى معدنه. قد تتفاجأ وقد تذهل لما تراه من ردة فعله الغير متوقعة، فربما قد ترى ذلك الأمين الذي كنت تتخذه قدوة لنفسك غشاشا، والغشاش أمينا، وقد ترى أغلى الناس إليك هو العدو الطاعن الملعون، والعدو هو الصديق في وقت الضيق، وربما قد ترى ذلك السارق الذي يسرق ما هب ودب يطعم القطط الضالة ويسقيها، وقد ترى البريء ماكرا كالذئب الجائع الذي يبحث عن فريسته.

أجل، هذه هي الحقيقة المطلقة، لا يغريك ما تراه فخلف كل مسرحية كواليس مليئة بالمفاجآت… كلنا نحمل هذه الحقيقة وكل منا يظهر عكس ما عليه ولو بدرجة قليلة. خلف جلدنا هناك أسرار وألغاز من الصعب فكها أو فهمها، ويبقى الضمير هو الفيصل بيننا مهما حيينا.

لسنا بتلك الملائكية كما تظن

Exit mobile version